“جماعة الإخوان المسلمين” التي تُصنّف لدى جملة من الدول العربية “منظمة إرهابية” واجهت انتكاسات متتالية في عدد من الدول الإسلامية، ما ترك التنظيم في أزمة عميقة. وردا على ذلك، وجّه “الإخوان” جهودهم نحو عدد من الدول الأوروبية.

إحدى هذه الجهود هي “جبهة لندن” التي لم يبقَ سواها تعمل في دول أوروبية مختلفة. تحاول الجماعة استغلال المبادرات المناهضة لـ “الإسلاموفوبيا” لتحقيق مصالح سياسية وأيديولوجية تخدم مصالحها الذاتية، إلا أن هذه الجهود لم تستجب بشكل كامل لتوقعات نشطاء “الإخوان المسلمين”.

تحركات “جماعة الإخوان المسلمين” المريبة تسلّط الضوء على المشاكل المتعلقة بالحركات السياسية الدينية واندماجها في الأنظمة العلمانية القائمة، فكيف أثّرت أزمة “الإخوان المسلمين” على أنشطتها في أوروبا، ولماذا بات إيجاد كيانات بديلة لـ “الإخوان” أمرا ضروريا.

استغلال الإسلاموفوبيا لمصالح أيديولوجية

في شباط/فبراير الماضي تمّ تعيين ماريون لاليس منسقة لمحاربة الكراهية ضدّ المسلمين من قبل المفوضة الأوروبية للمساواة هيلينا دالي، وذلك بمهمة مكافحة “التمييز الهيكلي والفردي” ضد المسلمين؛ لأن مكافحة “الإسلاموفوبيا” تُستخدم كسلاح للقوة الإسلاموية الناعمة التي تهدف إلى منع أيّ انتقاد للإسلام السياسي، بما في ذلك الأصولية والتطرّف.

جماعة "الإخوان المسلمين" في أوروبا استراتيجية التغلغل - "فرانس برس"
جماعة “الإخوان المسلمين” في أوروبا استراتيجية التغلغل – “فرانس برس”

خبراء فرنسيون بحسب موقع “24”، يرون أنّ تضخيم ظاهرة محاربة “الإسلاموفوبيا” يحقق الخطوة الأولى الحاسمة في خطة أسلمة المجتمعات لـ”الإخوان المسلمين”. ولذلك فقد دعا سياسيون وبرلمانيون أوروبيون على وجه السرعة لتقييم أهمية البرامج والتقارير والمؤسسات التي تهدف إلى مكافحة “الإسلاموفوبيا” ومدى استغلال الجماعات الإرهابية لذلك خاصة من قبل “الإخوان”.

بحسب عالمة الأنثروبولوجيا في “المركز الوطني الفرنسي” للبحث العلمي، فلورنس بيرجود بلاكلر، فإن الخطط التي وضعها “الإخوان المسلمون” تسير كما هو مخطط لها، فقد انتشرت أيديولوجيتهم إلى ما وراء دائرة الأخوة التي يدّعونها، إلى درجة أصبحت منهجيتهم هي الهوية الرئيسة والمعايير الدينية للمسلمين الأوروبيين.

إشارات بيرجود بلاكلر لم تقف عند هذا الحد، بل حذّرت من أن بعض برامج مكافحة “الإسلاموفوبيا” تحاكي حلم “الإخوان” من أجل تطوير نظام إسلامي محكم ومستدام في البلدان غير الإسلامية، وخاصة عبر العمل الثقافي خارج العالم الإسلامي.

“جبهة لندن” التابعة لـ”الإخوان المسلمين”، بحسب ما ذكرته الباحثة في شؤون الجماعات الإسلامية والمتطرفة، شيماء حسين، خلال حديثها لـ”الحل نت”، هي الجبهة النشطة الوحيدة المتبقية من أنشطة الجماعة في أوروبا. وتوجّه هذه الجبهة أنشطة أعضاء الجماعة الفارين الذين لجأوا إلى عدد من الدول الأوروبية والأفراد المنتسبين، لتعزيز أيديولوجية جماعة “الإخوان المسلمين” وأجندتها السياسية في أوروبا.

أسباب أفول نجم المنظمة الإخوانية

سابقا كانت جماعة “الإخوان المسلمين” قوة قوية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ولها تأثير كبير في دول مثل مصر وسوريا وتونس. ومع ذلك، في السنوات الأخيرة، شهدت المنظمة انحسارا كبيرا في رواجها بعد دعمها لحمل السلاح في الاحتجاجات التي ضربت الدول العربية عام 2010، واتخاذها من إيران وتركيا مراكزا لدعم أعضائها.

أحد الأسباب الرئيسية لانخفاض شعبية جماعة “الإخوان المسلمين” بحسب حسين، هو سوء الإدارة والفساد، حيث اتُهمت الجماعة بسوء الإدارة والفساد في عدة دول تعمل فيها، مما أدى إلى خيبة أمل أنصارها، وقد ساهم ذلك في تراجع شعبيتها وتأثيرها.

أعلام جماعة "الإخوان المسلمين" - إنترنت
أعلام جماعة “الإخوان المسلمين” – إنترنت

أيضا ابتُليت جماعة “الإخوان” بالانقسامات الداخلية، فوفقا لحديث حسين تتنافس أذرع الجماعة المختلفة على السلطة والنفوذ داخل التنظيم، وقد أضعفت هذه الانقسامات المنظمة وجعلتها عُرضة للضغوط الخارجية.

علاوة على ذلك، فإن تغير المشهد السياسي في المنطقة بشكل كبير في السنوات الأخيرة، ومحاولاتها الفاشلة للحكم في بلدان مثل مصر، أدى إلى استياء واحتجاجات واسعة النطاق، وقد أدى ذلك إلى زيادة تآكل دعمها وشرعيتها.

نحو كيانات بديلة

بعد تراجع شعبيتها حاولت جماعة “الإخوان” استخدام “الإسلاموفوبيا” لتحقيق مصالحها السياسية والأيديولوجية في أوروبا. من خلال تصوير أنفسهم كمدافعين عن المسلمين ضد التمييز والتّحيز، ومع ذلك، قوبلت هذه الاستراتيجية بمعارضة واسعة، حيث أن العديد من المسلمين في أوروبا يشككون في أجندة ودوافع جماعة “الإخوان المسلمين”.

جماعة "الاخوان المسلمين" تدير شبكات عملها من داخل أوروبا - إنترنت
جماعة “الاخوان المسلمين” تدير شبكات عملها من داخل أوروبا – إنترنت

مراكز بحوث ودراسات تتوقع أن يصل عدد المسلمين في فرنسا إلى ما يزيد عن 12 مليون شخص بحلول عام 2025، يُسابق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الزمن، لتحجيم نشاط جماعات الإسلام السياسي ودعاة الانعزالية التي تؤسس للطائفية الإسلاموية، ومنعا في ذات الوقت لاستغلال القضية من قبل اليمين المتطرّف.

في تقارير تم إعدادها لصُنّاع القرار في لندن وبروكسل، أشارت إلى أهمية التدخل المستهدف من قبل قادة الرأي والمؤثرين ووسائل الإعلام ومراكز الفكر للشروع في إعادة النظر إلى الإسلام باعتباره متنوعا وتقدّميا وليس أيديولوجية سياسية تخدم مصالح تنظيمات الإسلام السياسي، لذا فإنه يجب تلبية احتياجات المسلمين الدينية بموجب الشريعة الإسلامية مع عدم المخاطرة بالسماح بأيّ نفوذ محتمل لـ “الإخوان”.

لذا يرى أكاديميون فرنسيون أنّه بات من الضروري إيجاد كيانات بديلة للإخوان تمثل الجاليات المسلمة، بحيث تعكس العقيدة الدينية المعتدلة التي يتبناها معظم المسلمين، وليست لديها أي أطماع أو طموحات سياسية، وبحيث يمكن للحكومة الفرنسية التعامل معها لمصلحة إدماج أفرادها في المجتمع.

إن إيجاد كيانات بديلة تمثل مجتمعات إسلامية معتدلة ومسالمة وفق حسين، من شأنه أن يساعد في معالجة هذه المخاوف، وتقديم صورة أكثر إيجابية عن الإسلام للجمهور الأوسع. قد تكون هذه الكيانات أيضا أكثر قابلية للاندماج في المجتمعات الأوروبية.

في النهاية، فإن العثور على كيانات بديلة لـ “الإخوان المسلمين” هو مجرد جزء واحد من جهد أوسع للتعامل مع المجتمعات الإسلامية في أوروبا ودمجها. من المهم التعرف على تنوع المجتمعات الإسلامية، والعمل معهم بطريقة تحترم معتقداتهم وقيمهم، مع تعزيز مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والتماسك الاجتماعي.

يكمن خطر “الإخوان المسلمين” في أنهم يدعمون ويعززون فكرة رومانسية لإحياء الدولة الإسلامية، والتي لم تكن موجودة في الماضي في الصورة التي يرسمونها لأتباعهم. بعض الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا والنمسا وحتى ألمانيا بدأت في اتخاذ خطوات للحد من توسع جماعة “الإخوان المسلمين” داخل حدودهم والحد من مصادر التمويل الخارجية التي أعطت “الإخوان المسلمين” النفوذ الهائل الذي تتمتع به. 

حاليا تواجه جماعة “الإخوان المسلمين”، المحاطة من جميع الجهات بدول قوية تعتبرها تهديدا، وتتفككا داخليا، خطر الموت الذي لم تشهده من قبل في تاريخها الممتد على نحو تسعين عاما، وهذا ما يعدّه خبراء الإسلام السياسي بأنه النهاية لزمن “الإخوان المسلمين”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات