في خطوة تندرج ضمن جهود دول العالم لزيادة استخدامها للطاقة المتجددة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، تتجه دولا عربية مؤخرا للتحول إلى الطاقة النظيفة، لامتلاكها موارد طاقية متجددة تتمثل في أشعة الشمس والرياح والطاقة الحرارية، إلى جانب ارتفاع تكلفة استخدام الطاقة الأحفورية، مما يشجع هذه الدول على الاستثمار في هذه الموارد.

من أبزر الدول العربية التي تحاول أن تُدير بوصلتها بهذا الاتجاه هي الإمارات ومصر، حيث تسعى كلا الدولتان إلى تطوير العديد من المشاريع الكبيرة في هذا الصدد، بما يسهم في تعزيز الأمن الطاقي وتوفير فرص عمل جديدة وتحقيق الاستدامة البيئية، وتعزيز أيضا دور العالم العربي في المجتمع الدولي لتحقيق أهداف تغير المناخ وتقليل الانبعاثات الضارة.

في سياق ذلك، وقعت شركة “مصدر” الإماراتية وائتلاف شركائها الذي يضم شركة “إنفينيتي باور” الرائدة في الطاقة المتجددة بإفريقيا، وشركة “حسن علام للمرافق” المتخصصة في استثمارات البنى التحتية، في 7 من الشهر الجاري، على صفقة أرض لمشروع طاقة الرياح 10 جيجاوات في مصر وبتكلفة استثمارية تتجاوز 10 مليارات. إذ من المقرر أن تكون واحدة من أكبر مزارع الرياح في العالم، والأكبر في القارة الإفريقية، وفقا لمطور مصادر الطاقة المتجددة ومقرها أبو ظبي.

إسهامات المشروع

المشروع سيشكل عند اكتماله أحد أكبر محطات طاقة الرياح، حيث سينتج 47,790 جيجاواط/ساعة من الطاقة النظيفة سنويا، وسيسهم في تفادي انبعاث 23.8 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، أي ما يعادل 9 بالمئة تقريبا من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الحالية في مصر، بحسب ما نقلته وكالة أنباء الإمارات “وام”.

سيتولى تطوير المشروع الائتلاف الذي تقوده "مصدر" مع شركائها (فيسبوك)
سيتولى تطوير المشروع الائتلاف الذي تقوده “مصدر” مع شركائها (فيسبوك)

 كما إن تطوير المشروع سيتولاه الائتلاف الذي تقوده “مصدر” مع شركائها و”انفينتي باور”، الشركة المشتركة بين “مصدر” و”انفينتي” المصرية، وفقا للوكالة ذاتها، إذ سيسهم المشروع أيضا في تحقيق هدف مصر بأن تشكل الطاقة المتجددة 42 بالمئة من مزيج الطاقة بحلول عام 2030، وستتيح طاقة الرياح بقدرة 10 جيجاواط لمصر توفير ما يقدر بنحو 5 مليارات دولار أميركي سنويا من تكاليف الغاز الطبيعي السنوية.

من جهته يرى خبير الهيدروجين الأخضر ومشتقاته ومؤسس منصة “هيدروجي أنتيليجنس” أسامة فوزي جورجي حنين، بأن دخول شركة “مصدر” الإماراتية مع شركة “أنفنيتى” للطاقة وشركة “أبناء حسن علام” وهيئة الطاقة الجديدة والمتجددة المصرية، إضافة لشركة نقل الكهرباء القابضة المصرية، لإنشاء أكبر محطة طاقة رياح في إفريقيا بقدرة 10 جيجا واط في منطقة غرب المنيا، هو بداية قوية للاستثمارات المباشرة التي تُضخ في شرايين الاقتصاد المصري، وذلك على المحور الاقتصادي.

حنين يضيف خلال حديثه لـ”الحل نت” بأن هذا المشروع سيوفر أيضا فرص عمل عديدة خلال فترة انشائه التي تصل إلى 3 أعوام من بدء توقيع العقود وذلك يوثر بالإيجاب على المحور الاجتماعي.

المشروع الأكبر لطاقة الرياح في إفريقيا المزمع إنشاءه في مصر، بحسب حنين، سيساعد بإنتاج 47790 جيجا واط ساعة من الطاقة النظيفة، والتي سوف تقلل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 9 بالمئة من إجمال 23.8 مليون طن سنويا من الانبعاثات.

أيضا سوف يسهم في تحقيق رؤية مصر للوصول إلى طاقة متجددة بما يتناسب مع رؤيتها لـ”2035″ من مصادر طاقة الرياح والطاقة الشمسية التي تتوافر في البلد، وتعطى ميزة نسبية لتقليل استهلاك الغاز الطبيعي، وفق حنين.

أهمية المشروع

إن المشروع الجديد بمثابة دليل على الشراكة القوية بين الإمارات العربية المتحدة ومصر، مع إمكانات كبيرة لخلق فرص العمل، وخفض الانبعاثات، وتوليد الطاقة الكهربائية النظيفة بتكاليف اقتصادية تنافسية، وفق ما صرح به وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الإماراتي سلطان الجابر، والذي يشغل منصب رئيس مجلس إدارة “مصدر” والرئيس المعين لمؤتمر “كوب 28”. خلال توقيع الاتفاقية بين البلدين.

إذ ستدعم مثل هذه المشاريع الجهود العالمية للحد من تأثير تغير المناخ وتساعد على الحفاظ على طموح 1.5 سليما مع تمكين النمو الاجتماعي والاقتصادي الكبير، وفق الجابر، حيث تتطلع أبو ظبي لاستضافة “كوب 28″، وتواصل الوقوف جنبا إلى جنب مع دول الجنوب في جهودهم لإزالة الكربون وتأمين انتقال عادل للطاقة.

بدوره أشار وزير الكهرباء والطاقة المتجددة المصري الدكتور محمد شاكر المركبي إلى أن المشروع يتماشى مع استراتيجية الطاقة “2030” في مصر والاستراتيجية الوطنية للمناخ “2050” لمواجهة تحديات تغير المناخ وتحقيق النمو الاقتصادي المستدام، حيث تمتلك مصر برنامجا طموحا للنهوض بقطاع الكهرباء المصري في مختلف المجالات، وفي مقدمتها الاستخدام الأمثل لموارد الطاقة الجديدة والمتجددة وتشجيع الاستثمار في هذا المجال، مما يساهم في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري والاستمرار في تقليل الانبعاثات الكربونية.

بالعودة إلى خبير الهدروجين الأخضر أسامة فوزي جورجي حنين، يرى بأن أهمية المشروع تكمن في تصدر مصر المشهد الإقليمي في توفير الطاقة النظيفة لدول الاتحاد الأوروبي، مما يعطى مصداقية للدولة بتوفير المناخ الاستثماري، وأيضا لجذب الاستثمارات في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

 أيضا تشجيع الشركات العالمية لاستخدام تلك الطاقات المتجددة لإنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته من الأمونيا الخضراء والميثانول الأخضر، لتموين السفن العابرة من قناة السويس وتصدير الطاقة النظيفة للدول الأوروبية وجنوب شرق آسيا، بحسب حنين.

في سياق ذلك ، يقول الرئيس التنفيذي لـ”هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة” محمد الخياط، إنه بالنسبة للهيدروجين الأخضر، فهناك الكثير من الطلبات للاستثمار، وحتى كانون الثاني/يناير مطلع العام الحالي، كان الإجمالي المخصص نحو 5200 متر مربع مخصصة للاستثمار في الهيدروجين الأخضر، وعدد من المناطق الأخرى، وأضاف بأنه ظهرت العديد من المناطق الأخرى الجديدة، ومن ثم انتهت الدراسات إلى منطقتين لإنتاج الهيدروجين غرب أسوان على مساحة 16 ألف كيلو متر مربع، و غرب سوهاج بمساحة 9 آلاف كيلو متر مربع.

مؤكدا خلال المؤتمر الصحفي لإعلان إنشاء محطة الرياح، أن العمل يجري مع الشركاء للاستثمار في الطاقة المتجددة وجذب استثمارات ضخمة.

تعظيم الشراكات

إن مشروع محطة طاقة الرياح بين الإمارات ومصر يعد من أضخم المشاريع التي سيكون لها تأثير إيجابي فيما يتعلق بسبل العيش ونمط الحياة في المنطقة، وهو تتويج للعمل الجاد والتفاني والشراكة الراسخة بين الشركات المصرية والإماراتية المتخصصة، وفق تصريح الرئيس التنفيذي لشركة “مصدر” محمد جميل الرمحي.

سيارة ميكروباص تمر بين شفرات عملاقة لتوليد الكهرباء بالرياح في محافظة البحر الأحمر المصرية (رويترز)
سيارة ميكروباص تمر بين شفرات عملاقة لتوليد الكهرباء بالرياح في محافظة البحر الأحمر المصرية (رويترز)

من جانبه وصف الرئيس التنفيذي لشركة “إنفينيتي باور” ناير فؤاد المشروع بأنه “إنجاز بارز، إذ إنه لا يضعنا كمزود رائد للطاقة المتجددة فحسب، بل يعزز أيضا العلاقة المتنامية بين الإمارات ومصر. بصرف النظر عن كونها مصدرا رئيسيا للطاقة المتجددة، ستخلق المزرعة أيضا فرص عمل للمجتمعات المحلية”.

أيضا علق الرئيس التنفيذي لشركة “حسن علام القابضة” عمرو علام، أن برنامج طاقة الرياح سيساعد في تلبية احتياجات مصر المتزايدة من الطاقة، وبأن هذا التعاون سيحقق أهدافه، ويمهد الطريق نحو مستقبل أكثر صداقة للبيئة وازدهارا لمصر.

في سياق آخر، يرى خبير الهدروجين الأخضر أسامة فوزي جورجي حنين، بأنه مما لا شك فيه أن الإعلان عن توقيع العقد مع الحكومة المصرية سوف يؤكد على جدية الدولة في جذب الاستثمارات من هذا النوع للشركات الأجنبية العالمية الراغبة في استغلال موقع مصر الريادي وتوافر مصادر الطاقة النظيفة.

 لكن يوجد تنافس محمود بين دول عربية في الخليج العربي، وفق حنين، مثل السعودية والإمارات وسلطنة عُمان، لتوفير نفس بيئة العمل التي تقوم بها الدول المصرية، فمن غير المتوقع أن تكون هنالك شراكات عربية وبالأخص في دول الخليج وأيضا دول المغرب العربي وبالأخص المغرب وتونس وموريتانيا.

أخيرا، يمثل توقيع اتفاقية الطاقة بين مصر والإمارات خطوة مهمة نحو تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين وتعزيز الاستثمار في قطاع الطاقة، وأيضا ستكون هذه الاتفاقية فرصة لتبادل الخبرات والتكنولوجيا بينهما، وتعزيز التعاون في مجال الطاقة النظيفة والمتجددة. ومن الممكن أن تسهم هذه الاتفاقية في تحقيق الأمن الطاقي لمصر بما يساهم إلى حد كبير في تحسين اقتصاد البلد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة