هكذا يبدو الأمر، أن رغبة الجزائر في تمتين العلاقات مع مصر، تلقى ترحيبا شديدا من قبل الجار الإفريقي، حيث تسعى القاهرة بشكل مستمر في ترسيخ دور إقليمي ودولي فاعل، لاسيما في ظل المتغيرات على المشهدين الدولي والإقليمي اللذين يشهدان تحولات سياسية واقتصادية إلى جانب إعادة رسم خرائط التحالفات، وهو ما تحاول مصر استثماره على صعيد استعادة دورها الأممي.

على النحو هذا، اتفق الرئيسان، الجزائري عبد المجيد تبون، والمصري عبد الفتاح السيسي، على عقد قمة بينهما دون تحديد وقت لذلك، وجاء ذلك عقب اتصال هاتف أجراه الطرفان أمس الاثنين، تبادلا خلاله الآراء حول مسائل تهمّ البلدين الشقيقين، واتفقا فيه على لقاء يجمعهما، وفق ما جاء في بيان رسمي أوردته الرئاسة الجزائرية.

الرئيسان، بحسب البيان، تناولا قضايا إقليمية ودولية ذات الاهتمام المشترك، دون أن يتم توضيح طبيعة القضايا التي تمت مناقشتها، في حين صرّح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية المصرية المستشار أحمد فهمي، أن الاتصال تطرّق إلى مناقشة عدد من الموضوعات المتعلقة بالعلاقات الثنائية المتميزة بين مصر والجزائر.

تعاون إقليمي دولي مشترك 

ذلك يأتي وفق فهمي، في إطار حرص الرئيسين على استمرار جهود توسيع نطاق ومجالات التعاون المختلفة وتعميقها، بما يعظّم المصالح المشتركة للبلدين والشعبين الشقيقين، مضيفا أن الرئيسين تبادلا وجهات النظر والرؤى تجاه القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وسبل التصدي للتحديات التي تواجه المنطقة، في ضوء دور الدولتين وحرصهما على تعزيز العمل العربي المشترك.

إعلان الجانبين عن القمة الثنائية بين الرئيسين تبون والسيسي، جاء في سياق جهود جزائرية مصرية ترنو إلى تعزيز علاقاتهما، إذ كان الجانبان المصري والجزائري قد أكدا قبل ذلك سعيهما لدفع علاقات التعاون السياسي والاقتصادي إلى نطاق أوسع، خلال الفترة المقبلة، وذلك في أعقاب استقبال وزيرة التعاون الدولي المصري رانيا المشاط، لسفير الجزائر بالقاهرة حميد شبيرة، قبيل انعقاد “اللجنة العليا المشتركة بين البلدين” التي عُقدت مع نهاية الشهر الماضي.

ففي التاسع والعشرين من حزيران/يونيو الماضي، عُقدت الدورة الثامنة لـ “اللجنة العليا المشتركة الجزائرية المصرية”، والتي كانت قد أُجّلت منذ العام 2017، حيث تطرقت لعدد من ملفات التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين، على ضوء اتفاقات تعاون كان تم التوقيع عليها خلال الزيارة الأخيرة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى القاهرة منتصف شهر يناير/كانون الثاني الماضي، إلى جانب توقيع العديد من مذكّرات التفاهم في مجالات التعليم والترفيه والملف المالي والبيئي وغيرها.

شكلت زيارة الرئيس تبون لمصر مطلع السنة فرصةً عززت العلاقات التاريخية والسياسية بين البلدين ووسعت مجالات التعاون الثنائي، وكذا التنسيق والتشاور حول أهم القضايا العربية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك.

كما عُرفت العلاقات الجزائرية-المصرية منذ إجراء هذه الزيارة ديناميكية تجلّت بشكل كبير في تبادل الزيارات بين مسؤولي البلدين، والتي كانت من بينها زيارة وزير الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، وقبلها الزيارة الرسمية التي قام بها رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق السعيد شنقريحة إلى القاهرة، بصفته ممثلا لرئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني، لحضور فعاليات الطبعة الثانية لمعرض الدفاع.

في هذا الصدد، أَوضح خبير السياسات العامة محمود أبو حوش، أن دلالة القمة المرتقبة بين الجانبين المصري والجزائري في هذا التوقيت، هو ما تضمنه الاتصال بين الرئيسين المصري والجزائري وما تم تبادله من وجهات نظر خلال ذلك، حيث تم التباحث حول القضايا الإقليمية والدولية المشتركة وسبل تعزيز العلاقات المصرية الجزائرية.

مصلحة الموقف العربي بالتقارب الجزائري المصري

إذ يحاول الجانبان المصري والجزائري، بحسب أبو حوش، صياغة دور مصري جزائري قوي أمام التحديات العربية المشتركة التي تهمّ البلدين، ذلك لأن حضور القاهرة وشقيقتها الجزائر في النطاق العربي أمرٌ مهم جدا، لذلك أن صياغة هذا الدور بالنسبة للقاهرة في هذا التوقيت يعد أولوية مصرية، وذلك بالنظر إلى العديد من القضايا الإقليمية المشتركة التي من اللازم أن يكون للبلدين دور فاعل فيها.

من استقبال الرئيس المصري للرئيس الجزائري في القاهرة مطلع العام/ إنترنت + وكالات

المختص في السياسيات العامة، أكد في حديث لموقع “الحل نت”، أن القمة المرتقبة بين الرئيسين المصري والجزائري، تأتي لتؤكد على فكرة تنسيق الدورين بين البلدين، لما في ذلك من أهمية حساسة في الوقت الحالي، لكي لا تتعارض المواقف المشتركة، مشيرا إلى أن التوقيت الحالي بالنسبة لهذه القمة يُعدّ هاما.

ذلك لأن المرحلة الحالية تعد مهمة على مستوى صياغة العلاقات بين الجزائر ومصر، نظرا لما يمر به الوضع الإقليمي من تحديات صعبة، وهذا ما سيمثل إضافة لعلاقات البلدين من حيث القمة المرتقبة، كما يرى أبو حوش، ويؤكد على أن مصر والجزائر يعتبران أكثر بلدين لهما دور دبلوماسي وحضور قوي في الساحة الدولية.

بالتالي إن صياغة موقف مشترك، كما يعتقد أبو حوش، يمكن أن ينعكس بشكل إيجابي على العديد من القضايا الدولية بما يمثل إضافة في الموقف العربي المشترك دوليا قبل أن يكون إقليميا، لافتا إلى أن الغاية التي يسعى لها الطرفان من خلال القمة المرتقبة بين الرئيسين، هي فكرة التنسيق في المقام الأول وتعزيز العلاقات المصرية الجزائرية وصياغة شكلٍ من التوافق بينهما لكي لا تتعارض المصالح والموافق.

جدير بالذكر، أن مقالا نشرته صحيفة “القدس العربي” في وقت سابق، قد لفت إلى بعض النقاط الجوهرية المتعلقة بتحركات الرئيس الجزائري نحو القاهرة، تحمل أهداف عدة، لاسيما فيما يخص زيارة الرئيس الجزائري إلى مصر مؤخرا.

إذ أن العلاقات المصرية الجزائرية وحتى أثناء فترتها الذهبية، قد مرت بعقود من الجمود والخلاف وأحيانا التوتر، وما عرفه العقد الأخير من برود العلاقة بين مصر والجزائر، ووصولها في بعض المحطات إلى تقاطعات في النظر للأمن القومي والإقليمي، يعطي صورة عن براغماتية الزيارة ومكامن الحراك الجزائري صوب القاهرة، واختلاف الأجندة.

كاتب المقال رأى أن، استقراء مواقف الدبلوماسية المصرية والجزائرية إزاء قضايا عربية وإقليمية، يبين أن المواقف المتقاربة جدا محدودة، فباستثناء قبول القاهرة لعودة سوريا للجامعة العربية من غير شروط، تبقى الملفات الأخرى، نماذج لتباعد المواقف وتناقضها وأحيانا توترها وصراعها.

الجزائر والميولات الدولية والإقليمية

فمن جهة، مصر كانت حاسمة في اختيار التقارب مع دول الخليج، ومد القطيعة مع إيران، وعدم الاكتراث لرسائل طهران الغزلية للقاهرة، في حين، اختارت الجزائر في سياق صراعها الإقليمي مع المغرب، أن تعزز علاقاتها مع طهران، تقديرا منها أن ذلك يشكل الجواب عن تحدي تطبيع المغرب مع إسرائيل واعتراف الولايات المتحدة الأميركية بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.

من انعقاد اللجنة العليا المشتركة الجزائرية المصرية/ إنترنت + وكالات

على الجانب الآخر، ترتبط مصر بعلاقة استراتيجية مع دول الخليج، إذ ينظر “مجلس التعاون الخليجي” إليها على أنها صمام أمان لاستقرار المنطقة، بينما تعتبر مصر أمن الخليج من أمنها، في حين تثير علاقة الجزائر مع إيران، وكذا قطع الجزائر العلاقة مع المغرب ورفضها أي وساطة خليجية لتسوية الخلافات بين البلدين قلقا خليجيا.

ذلك القلق الخليجي من الموقف الجزائري تم التعبير عنه أكثر من مرة، في صورة دعم غير مشروط للمغرب، كان آخر مثال له دعم دول الخليج للقرار الأخير لـ “مجلس الأمن” حول الصحراء، والذي انتقدته الجزائر بشدة معتبرة إياه متحيزا للمغرب.

أيضا ما يثير العلاقات الخليجية الجزائرية أكثر هو الخلاف مع الإمارات في الملف الليبي، وصدور اتهامات جزائرية لها بالتآمر ضد أمنها القومي من خلال دعم الجنرال حفتر، وأيضا من خلال تعزيز التقارب الجزائري التركي في هذا الملف، لذلك أن الحديث عن علاقات مصرية جزائرية استثنائية قد يكون أمرا بعيدا عن الواقع.

ذلك بالنظر إلى الأجندات المصرية المترابطة مع المصالح العربية، خلافا للأجندات الجزائرية التي تتعارض بشكل كبير مع المصلحة العربية، وتنحاز بشكل واضح وعلني إلى الجانب الإيراني، وحلفها الشرقي مع روسيا والصين، وهذا ما لا تتلاقى معه القاهرة إلى حد كبير، وذلك باستثناء إذا ما كانت مصر تعمل على إعادة ضبط الدور الجزائري بما يتوافق مع المصلحة العربية ككل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات