في 26 تموز/يوليو 2023، احتُجز رئيس النيجر محمد بازوم في قلب القصر الرئاسي في نيامي، وحوصر دون معرفة ما يخبئ له المستقبل وكيف ستكون نتيجة الأحداث. حيث تنشطر النيجر بين ماضيها الطويل الذي انبثقت فيه روح الاستقلال والقيم الديمقراطية، وبين مستقبل غامض ومحفوف بالمخاطر. والواقع الحالي في النيجر يثير مخاوف حقيقية وقلقا حول تكرار السيناريو المألوف، الذي شهدته دولة مالي بعد انسحاب الوجود الفرنسي وظهور دور روسي مثير للجدل.

الانقلاب العسكري في النيجر هو أحدث حلقة في سلسلة من الانقلابات التي شهدتها دول غرب إفريقيا في السنوات الأخيرة. في عام 2021، شهدت مالي وبوركينا فاسو وغينيا انقلابات عسكرية. وتشير العديد من التقارير إلى أن مجموعة “فاغنر” الروسية لعبت دورا في هذه الانقلابات.

الأوضاع الراهنة تجعل من الضروري النظر عن كثب إلى تطورات الأحداث في النيجر وفهم الدروس التي يمكن أن يتم استخلاصها من تجربة مالي. إذ يبرز التساؤل عن دور محتمل لـ”فاغنر”، المجموعة الروسية التي أثارت جدلا دوليا بسبب تدخلاتها في الصراعات الأخرى. وإذا ما كانت تملك هذه المجموعة مصالح مستقبلية في النيجر أو إذا ما يزال لـوجود “فاغنر” في هذه المنطقة، تأثيرٌ كبير على تحولات السياسة والأمن.

تكرار سيناريو الانقلابات العسكرية

يوم الأربعاء الفائت، أعلن عدد من الجنود في النيجر عبر التلفزيون الرسمي عزل الرئيس محمد بازوم، وإغلاق حدود البلاد الواقعة غرب إفريقيا. وقال الجنود إنهم حلّوا الدستور وعلّقوا جميع عمل المؤسسات في البلاد.

المتحدث باسم جيش النيجر العقيد الميجور أمادو أدرامان يتحدث خلال ظهور على شاشة التلفزيون الوطني ، بعد احتجاز الرئيس محمد بازوم في القصر الرئاسي في نيامي - إنترنت
المتحدث باسم جيش النيجر العقيد الميجور أمادو أدرامان يتحدث خلال ظهور على شاشة التلفزيون الوطني ، بعد احتجاز الرئيس محمد بازوم في القصر الرئاسي في نيامي – إنترنت

قوات “الحرس” الرئاسي احتجزت رئيس النيجر، محمد بازوم، منذ ساعة مبكرة يوم الأربعاء. وفي الإعلان التلفزيوني في اليوم نفسه، قال الكولونيل الميجور أمادو عبد الرحمن، مع تسعة جنود آخرين يرتدون زيا عسكريا، “نحن قوات الدفاع والأمن… قررنا إنهاء النظام الذي تعرفونه”.

لم يكشف الجنود عن أي تفاصيل حول الخطط المستقبلية، لكنهم قالوا إنهم سيشكّلون “حكومة انتقالية”. وقد أثار الانقلاب مخاوف من تكرار السيناريو الذي وقع في مالي بعد انحسار الوجود الفرنسي لصالح دور روسي تمثله مجموعة “فاغنر” الروسية.

على الرغم من عدم وجود أي تصريحات رسمية حتى الآن تربط بين روسيا وما يحدث في النيجر، فإن وسائل الإعلام الفرنسية تحديدا تلمّح إلى احتمال وجود دور لـ”فاغنر” في ما يحدث، خصوصا أن قادة الانقلاب الفعلي، الجنرال عمر تشياني، قائد “الحرس” الرئاسي، والعقيد إبراه أمادو بشارو، والجنرال موسى صلاح بارمو، قائد القوات الخاصة، وقائد “الحرس” الوطني أحمد سيديان، والجنرال ساليفو مودي، رئيس أركان الجيش السابق، الذي أزاحه الرئيس بازوم وعينه سفيرا قبل أشهر، لهم ارتباطات مع صدام حفتر، نجل قائد “الجيش الوطني” الليبي، خليفة حفتر، وشركة “فاغنر”.

النيجر واحدة من أكثر دول العالم التي شهدت انقلابات في تاريخها المعاصر، إذ سجلت 4 انقلابات منذ استقلالها عن فرنسا عام 1960، فضلاً عن العديد من محاولات الانقلاب الفاشلة، كانت إحداها قبل تنصيب بازوم نفسه بيومين. ووقع آخر انقلاب في الدولة الإفريقية في فبراير/شباط 2010، وأطاح حينها بالرئيس مامادو تانجا.

بازوم حقّق في نيسان/أبريل عام 2021، فوزا صعبا وحصل على 2.5 مليون صوت، مقابل 1.9 مليون صوت لصالح خصمه ماهامان عثمان، أي أكثر من 55 بالمئة من الأصوات، رغم انتماء ماهامان إلى قبيلة الهوسا التي يمثل أفرادها 50 بالمئة من السكان.

المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “إيكواس” أصدرت بيانا وصفت فيه الأحداث في النيجر بأنها “محاولة انقلاب”، وقالت إنها “تدين بأشد العبارات محاولة الاستيلاء على السلطة بالقوة”.

هل أُعيد سيناريو مالي في النيجر؟

ما حدث في النيجر يوم الأربعاء الفائت، هو التطور الأكثر أهمية في المنطقة منذ انقلاب مالي في 2021، حسب تحليل الخبير والأكاديمي في العلوم السياسية والعلاقات الدولية الإفريقية، موسى تيسي، لـ”الحل نت”، خصوصا أن غرب إفريقيا هي منطقة مهمة جيوسياسيا واقتصادية. وهي أيضا منطقة تعاني من العديد من التحديات، بما في ذلك الإرهاب وانتشار الجماعات المسلحة.

رئيس النيجر محمد بازوم - إنترنت
رئيس النيجر محمد بازوم – إنترنت

هناك العديد من الأسباب المحتملة للانقلاب، لكن السبب الأكثر ترجيحا هو استغلال “فاغنر” للصراع المتزايد مع جماعات المتشددين الإسلاميين في شمال النيجر، ونيّة بازوم عزل تشياني. ففي السنوات الأخيرة، تصاعد العنف في المنطقة بشكل كبير، مما أدى إلى مقتل مئات المدنيين وآلاف الجنود.

الانقلاب في النيجر هو تطور خطير برأي تيسي، وله تداعيات كبيرة على المنطقة. ففي ظل عدم الاستقرار السياسي في النيجر، فمن المرجّح أن يستمر العنف في شمال البلاد. كما أن الانقلاب قد يؤدي إلى انتشار الفوضى في دول أخرى في المنطقة، مثل مالي وبوركينا فاسو.

لا يستبعد تيسي أن تلعب روسيا دورا مهما في النيجر بعد الانقلاب. ففي السنوات الأخيرة، زادت روسيا من نفوذها في إفريقيا، وتعتبر النيجر أحد أهم أهدافها الاستراتيجية. وإذا ثُبت أن مجموعة “فاغنر” لعبت دورا في الانقلاب العسكري في النيجر، فهذا سيكون تطورا خطيرا. وسيشير ذلك إلى أن روسيا تسعى إلى توسيع نفوذها في غرب إفريقيا. كما سيشير أيضا إلى أن مجموعة “فاغنر” أصبحت قوة عسكرية خطيرة في المنطقة.

في عام 2021، دخلت مجموعة “فاغنر”، وهي شركة عسكرية خاصة روسية، إلى مالي. وقد لعبت المجموعة دورا مهما في دعم الجيش المالي في مكافحة الجماعات المتشددة. ومن المرجح أن تلعب المجموعة دورا مماثلا في النيجر بعد الانقلاب. وهذا سيزيد من التوتر في المنطقة، ويزيد من احتمالية انتشار “داعش” و”القاعدة” كما حصل في البلدان الإفريقية التي دعمت فيها “فاغنر” الانقلابات العسكرية.

أعلام روسية ونار بمقر الحزب الحاكم

مظاهراتٌ خرجت في العاصمة نيامي داعمة للانقلابيين، أمس الخميس، وعزف المشاركون فيها الموسيقى للتعبير عن تأييدهم الجيش، كما رفعت خلالها أعلام روسية وشعارات معادية للقوات الأممية، كما نهب مؤيدون للانقلاب العسكري في النيجر مقر “الحزب النيجيري من أجل الديمقراطية والاشتراكية” الحاكم.

بلينكن في النيجر في آذار/مارس 2023 - إنترنت
بلينكن في النيجر في آذار/مارس 2023 – إنترنت

تنامي حضور “فاغنر” جاء بعد أن وثّق المجلسان العسكريان في مالي وبوركينا فاسو المجاورتين العلاقات مع روسيا منذ توليّهما الحكم في عامي 2020 و2022 على التوالي، وقطعا العلاقات مع الحلفاء الغربيين التقليديين.

طبقا لتوقعات تيسي، فإن المشاهد الرئيسية التي تثير مخاوف من تكرار سيناريو مالي في النيجر تتمثل في احتجاجات الجنود الذين أعلنوا عزل الرئيس محمد بازوم، وتعليق عمل المؤسسات في البلاد. وهذا المشهد يعكس تصاعد التوترات السياسية والأمنية في النيجر وقد يشير إلى إمكانية نشوب أزمة سياسية خطيرة.

التحليل الحالي للوضع في النيجر يظهر أهمية النفوذ الجيوسياسي الفرنسي في المنطقة، فقد أدى انحسار الوجود الفرنسي في مالي إلى فرصة لظهور دور روسي ممثلا بمجموعة “فاغنر” الروسية، مما يثير الشكوك حول احتمال تكرار هذا السيناريو في النيجر.

الاحتجاجات الجارية في البلاد والتي يفتعلها المجلس العسكري الانقلابي، قد يكون لها أسباب اقتصادية واجتماعية وأمنية، ويعود ذلك جزئيا إلى التحديات الاقتصادية التي تواجهها النيجر وتأثيراتها على المجتمع والأمن الداخلي؛ لكن بحسب تيسي فمرادها أعمق بكثير، وهو إضفاء شرعية للانقلاب.

المستقبل المتوقّع للنيجر بعد هذا التطور السياسي قد يكون غير مؤكد ومحفوف بالتحديات. فعلى مستوى توازن القوى في المنطقة، من المؤكد أنها ستكون أرض خصبة للتنظيمات الجهادية كما حدث في الدول المجاورة لها، وأيضا يمكن أن يسمح ذلك باستمرار دور مجموعة “فاغنر” الروسية في النيجر ودول أخرى إذا توفرت المصالح المستقبلية لهذه المجموعة في المنطقة.

الانقلاب في النيجر هو تطور خطير له تداعيات كبيرة. ومن المرجّح أن يستمر العنف في شمال البلاد، ودخول روسيا بقيادة “فاغنر” إلى النيجر سيزيد من التوتر في المنطقة، ويزيد من احتمالية اندلاع صراعات جديدة معظمها بقيادة التنظيمات الجهادية. ويبقى التساؤل عن كيفية استمرار النيجر في منطقة نفوذ فرنسي لعقود، وهل تدخّل “فاغنر” سيولد أسباب تدخل الصين في المشهد السياسي والاقتصادي، مستغلة الفرص الناشئة لنيل نفوذها. ومحاولتها وضع بصمتها في هذا الصراع، وهل يتّجه المجلس العسكري المنقلب نحو الانحياز إلى الدور الروسي الذي تمثله “فاغنر”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات