في ظل تقاطع المواقف وتباينها واستمرار التظاهرات المطالبة بإسقاط “الانقلاب” وعودة الحكم المدني في السودان، لا يزال الموقف غامضا حول الاتفاق “الإطاري” بين قوى “الحرية والتغيير” والمجلس العسكري نهاية الأسبوع الماضي، والذي يضع ضمانات في مرحلتين تقود لتشكيل حكومة مدنية بالكامل.

الاتفاق وضع السودانيين متمثلين بتياري الرفض والقبول، بحالة من الترقب الشديد لمآلات الاتفاق الذي أعلن عن قرب التوصل لاتفاق سياسي بين الأطراف السودانية، والتخفيف من حدة التوتر الذي تشهده البلاد على خلفية حل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، وعزل رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، من قِبل قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في تشرين الأول/أكتوبر العام الماضي.

من المؤمل أن تشهد الساحة السودانية تجدد اللقاءات المباشرة بين المكون العسكري والمجلس المركزي لـ “الحرية والتغيير”، لاستكمال توقيع الاتفاق “الإطاري” لبحث أخر النقاط الخلافية بين الجانبين، في وقت انطلقت فيه فعليا مشاورات “الحرية والتغيير” مع أكبر عدد من قوى الانتفاضة وأجسامها وقوى الانتقال الديمقراطي، بحثا عن أوسع صيغة للتوافق حول الاتفاق، لاسيما في ظل رفضه من بعض الأطراف المحتجة.

تفاهمات قوى “الحرية والتغيير” مع المجلس العسكري، يُنتظر أن تتوج بتوقيع اتفاق إطاري خلال 10 أيام يعقبه آخر تفصيلي في غضون شهر يقضي بانتقال السلطة إلى المدنيين، وفق ما أُعلن عنه، حيث تحدث قادة تحالف “الحرية والتغيير” في مؤتمر صحفي عقِب التوصل إلى الاتفاق، أن المفاوضات التي جرت مع العسكر ضمنت للمدنيين حكما سياديا، وهو ما يعني عمليا انسحاب الجيش من السلطة وإلغاء المجلس العسكري الحالي.

اقرأ/ي أيضا: بعد انسحاب أكثر من 1000 شركة دولية.. ما مصير الاقتصاد الروسي؟

السودان على بعد مرحلتين من انتقال الحكم للمدنيين

الاتفاق الذي سيوقّع على مرحلتين تضمن أن يكون مجلس الوزراء مدنيا بالكامل؛ وهو ما يعني ألا يتقلد وزارات الداخلية والدفاع قادة عسكريون كما كان في السابق، فيما ستركز التفاهمات في المرحلة الأولى بين قوى “الحرية والتغيير” والجيش وأطراف اتفاق السلام، على التفاهم بشأن تكوين السلطة المدنية، على أن تمضي المرحلة الثانية للتفاوض حول تفاصيل الاتفاق “الإطاري” وتطويره.

في هذا الإطار، وبالنظر إلى تمسك العسكريين بالسلطة على مدار العام الماضي، الأمر الذي تسبب باستمرار الاحتجاجات وسقوط المزيد من القتلى والجرحى بين المواطنين، تتجه الأنظار حول مدى جدّية الاتفاق، في أن يتسلم المدنيين فعليا السلطة في البلاد، وسط استمرار دعوات “الحرية والتغيير“، للقوى التي ناصرت التغيير ولم تكن جزءا من “الحرية والتغيير“، وبينها “المؤتمر الشعبي” والحزب “الاتحادي الديمقراطي” وأحزاب أخرى، للانضمام إلى الاتفاق شريطة التوقيع على الإعلان السياسي، وهو الوثيقة المكملة لمشروع دستور نقابة المحامين الذي اختير أساسا لحل الأزمة السياسية.

بالتالي أن المشهد يشي بقرب تسلّم المدنيين للسلطة في السودان، كما يرى المحلل السياسي علاء مصطفى، ويقول في حديث لموقع “الحل نت“، إن “المشهد برمته سواء كان داخل السودان أو خارجه يؤشر بأن المدنيين يقتربون بشكل كبير من تسلّم السلطة في البلاد، مشيرا إلى أن العملية السياسية التي تسير في الوقت الحالي في السودان ربما تحقق الكثير من مطالب الجانبين، وتضمن لجميع الأطراف اعتباراتها وهو ما يرجح تسلم المدنيين للسلطة“.

مصطفى، ومن وجهة نظره، يعتقد أن الأطراف الدولية والمحلية الراعية للمجلس العسكري توصلت إلى قناعة تامة، بأن الوقت الحالي هو المناسب لتسلّم السلطة للمدنيين، وذلك بما يضمن لهم عدم المساس بهم كلاعب أساسي في المشهد السوداني، وتجنبا لانزلاق البلاد إلى منحنيات قد لا يحمد عقباها، لاسيما في ظل ما تشهد الساحة الإفريقية من تدافعا دوليا وداخليا“.

اقرأ/ي أيضا: خسائر لبنان المحلية بالمليارات.. كارثة الفراغ السياسي أم تذويب للحلول؟

عوامل تعزيز حظوظ المدنيين

أستاذ العلاقات الدولية يرى أن “ردود أفعال أغلب الأطراف السودانية حول التسوية التي تم التوصل إليها، توضح مدى الرضا عنها، بالتالي، يمكن أن توفر بطبيعتها الحالية المطروحة التي يمكن القول، إنها استوعبت أكبر عدد من الأطراف ومواقفهم بما فيهم المجلس العسكري الذي يمثل الرقم الصعب في المعادلة حلا انتقاليا يضمن للسودان الخروج من حالة الاستقطاب السياسي التي تهدد استقرار البلاد“.

إضافة إلى ذلك، طبقا لرأى الخبير السياسي، فأن مدى نجاح الاتفاق بين الأطراف السودانية حول التسوية، يمكن قياسه أيضا بمدى الدعم الدولي الذي لاقاه والذي يعكس قبولا واسعا من قبل المجتمع الدولي، بالتالي أن الاتفاق يمكن أن يضع حدا كذلك لمحاولات الأطراف التي سعت إلى استغلال الموقف من خلال تقديم مبادرات لا تحمل سوى مصالحها الحزبية“.

وكان نائب رئيس “مجلس السيادة” قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، الملقب بـ “حميدتي“، قد أبدى ترحيبه بمشروع الدستور الانتقالي الذي أعدته اللجنة التسييرية لنقابة المحامين السودانيين، فيما اعتبرت دول “المجموعة الغربية” الوثيقة الدستورية مبادرة جادة ومشجعة، ودعت لتحقيق اتفاق قاعدة واسعة من الدعم الشعبي لها.

اقرأ/ي أيضا: فقاعة أزمة الديون العالمية.. هل تنفجر من الصين؟

المضامين والمواقف

مشروع الدستور نصّ على تكوين دولة مدنية كاملة تكفل الحريات الدينية واستقلال الصحافة، والبحث العلمي، ودمج قوات الدعم السريع وأفراد الحركات المسلحة في الجيش، وحظر ممارسة القوات النظامية للأنشطة التجارية والاستثمارية، وخضوع القوات المسلحة للسلطة المدنية، وأن تختار القوى الموقّعة على مشروع الدستور قادة الحكم المدني الانتقالي بمن فيهم أعضاء مجلس السيادة ورئيس الوزراء والوزراء وأعضاء المجلس التشريعي وحكام الولايات ورؤساء القضاء والنيابة والمحكمة الدستورية.

من جهتها، رحبت سفارات دول فرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وهولندا، والنرويج، وإسبانيا، والسويد، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأميركية، والاتحاد الأوروبي بنشر الوثيقة، واعتبرتها إطارا لدستور انتقالي من أجل تكوين حكومة مقبولة على نطاق واسع، يمكن أن تضع السودان على طريق الديمقراطية والانتخابات.

في سياق ذلك، كانت “الآلية الثلاثية” المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ومجموعة “إيغاد”، تسلمت ملاحظات وتعديلات مقترحة من المكون العسكري على وثيقة مشروع الدستور الانتقالي المقترح من نقابة المحامين، ووصفتها بأنها تعكس تفاهمات أساسية تم التوصل إليها بين العسكريين وقوى “الحرية والتغيير“، لافتة إلى أن المسودة جمعت حولها عددا كبيرا من القوى المدنية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة