بعد نفاذ قرار تحديد المهن والحرف والأشغال اليدوية التي لا يسمح لغير الأردنيين ممارستها، تكون الحكومة في الأردن قد سرعت من تنفيذ خطة استبدال العمالة الوافدة بالمحلية، بهدف التخفيف من نسبة البطالة، وإحلال العمالة المحلية مكان العمالة الوافدة، وهي الخطة التي تتطلع عمّان إلى تنفيذها بشكل كامل بحلول العام 2025.

قرار الحكومة الذي صدر قبل أيام، أثار انقساما في الشارع الأردني، بين قسم مؤيد يرى أن من الطبيعي أن تُعطي الحكومة أولوية العمل للمواطنين، وبين آخر مستهجن ورافض لما يعتبره “عنصرية” تجاه الأجانب واللاجئين، وخاصة السوريين.

التعليمات الجديدة لا تسمح بممارسة أي مهنة أو حرفة من قبل غير الأردنيين في صالونات الحلاقة للجنسين، ومشغل تنجيد وتجديد الأثاث والمفروشات، ومشاغل صنع الحلويات أو إنتاج المعجنات أو البوظة بهدف البيع المباشر، ومشاغل النجارة والحدادة والألمنيوم وخراطة وتشكيل المعادن، والعمل في مشاغل تطريز وخياطة الأزياء التراثية، ومشاغل صياغة الذهب والحلي والمجوهرات، وإنتاج وتعبئة المياه النقية المفلترة بهدف البيع المباشر، وإنتاج المكسرات المحمصة والمعبأة بهدف البيع المباشر، بالإضافة إلى مهنة غسيل الملابس، وصنع البلاستيك والتصوير الفوتوغرافي وصباغة الملابس وميكانيك السيارات.

ما خلفيات القرار الأردني؟

العمالة الوافدة في الأردن سجلت في السنوات الماضية ارتفاعا حسب أرقام حكومية، وهو ما يزيد من الضغط على الخدمات العامة مثل الصحة والتعليم والنقل والإسكان، ومما يؤدي إلى تراجع جودة هذه الخدمات وارتفاع التكاليف، حسب مصادر أردنية.

الشركات تتوجه إلى التعاقد مع العمالة الوافدة وتجنيد العمالة الأردنية بأجور أقل، مما يؤدي إلى تقليل فرص العمل للمواطنين الأردنيين وتأثير العمالة الوافدة على الاقتصاد بشكل كبير، حيث يتم تحويل جزء كبير من الأرباح خارج البلاد، مما يؤدي إلى تقليل الاستثمار في الداخل، وفق ما ذكر موقع “عمون” الإخباري الأردني.

التعليمات الجديدة تسمى توطين المهن لأبناء البلد للحد من البطالة، وهناك دول عربية عملت على مدى سنوات بتطبيق توطين المهن ونجحت نجاحا باهرا ومشرفا في الحد من البطالة بين الذكور والإناث.

موقع “عمون” الإخباري الأردني

الكاتب والباحث الأردني صلاح ملكاوي، يقول لـ”الحل نت”، إن التعليمات الأخيرة تأتي في إطار مشروع قانون تنظيم البيئة الاستثمارية، وتأتي تنفيذا لرؤية ملكية هدفها التحديث الاقتصادي، وتوضيح الإجراءات المطلوبة من المستثمرين.

“المهن التي تم منع العمالة الوافدة من مزاولتها هي أساسا قطاعات اقتصادية غير مؤثرة، مثل الحلاقة والتصوير وورش الحدادة والنجارة بسيطة، والإقبال على هذه المهن هو من الأردنيين، أي لا نجد تنافسا فيها بين العمالة الوافدة والمحلية”، على حد تأكيد ملكاوي، الذي يشير إلى أن “النظام الاستثماري الجديد لم يقترب من بقية المهن التي تزاولها العمالة الوافدة مثل الإنشاءات، والزراعة”.

بذلك، طبقا للباحث الأردني، فإن الهدف من كل ذلك هو تنظيم بيئة العمل الاستثماري، وليس استهدافا للعمالة الوافدة، لأن التعليمات لم تستهدف القطاعات التي توفر آلاف فرص العمل للأردنيين لو كانت مشمولة، علما أن النظام الاستثماري الجديد يأتي بالنهاية تحت ضغوط شعبية، لأن المطلوب شعبيا من الحكومة حماية العمالة المحلية، والانتقادات للتعليمات الجديدة تأتي بسبب عدم الدراية بالقرارات.

الأردن نحو التضييق على اللاجئين

لاجئون سوريون في الأردن أبدوا خشيتهم من أن تكون التعليمات الجديدة فاتحة لتوجه الأردن نحو التضييق عليهم، وذلك بهدف دفعهم إلى العودة إلى بلادهم، في الوقت الذي تكثف فيه عمّان من خطوات التقارب مع حكومة دمشق.

لكن ملكاوي يرفض ذلك بقوله: “ليس لدى الأردن أي توجه للضغط على اللاجئين السوريين، والقلق من قبل الأشقاء السوريين ليس مبررا”.

أرقام شبه رسمية، تقدر عدد اللاجئين السوريين في الأردن بنحو 1.3 مليون لاجئ نصفهم غير مسجلين في مفوضية الأمم المتحدة، وتتحدث مصادر أردنية عن تسبب ما تعتبره “أزمة اللاجئين” بزيادة عجز الموازنة وتراجع الخدمات المقدمة للمواطنين واستنزف موارد الدولة المختلفة، وأعباء إضافية على خزينة الدولة.

المختص بالاقتصاد السياسي زيان زوانة، اعتبر في تصريحات نقلتها صحيفة الغد الأردنية قبل أيام أن “آثار أزمة اللاجئين تتضاعف على الأردن وبشكل مستمر ما يستدعي العمل على مواجهتها، إضافة إلى تزايد عدد اللاجئين خلال سنوات الأزمة بفعل الولادات الجديدة في أوساطهم، ما يزيد كلف ذلك على الاقتصاد الأردني خاصة في ملف البطالة، ويفاقم من الضغوط على البنية التحتية والخدمية”.

من هنا، لا تستبعد مصادر “الحل نت”، أن تكون الحكومة الأردنية قد بدأت فعلا بممارسة التضييق على اللاجئين السوريين، وفي هذا الإطار يُقر رئيس “الرابطة السورية لحقوق اللاجئين” مضر الأسعد، بتداعيات ثقيلة لتواجد اللاجئين السوريين على الاقتصاد الأردني.

“الأردن دولة محدودة الموارد، ووجود عدد كبير من العمالة الوافدة يشكل أزمة للبلد”، وفق الأسعد، مضيفا لـ”الحل نت”، أن “القرارات الأخيرة شأن داخلي أردني، وخاصة في ظل تخفيض حجم المساعدات الدولية المقدمة للاجئين، ومن هنا ندعو الأمم المتحدة إلى زيادة دعم اللاجئين السوريين”.

الأردن تحت ضغوط اقتصادية غير مسبوقة

توجه الأردن نحو التضييق على العمالة الوافدة، ليس حكرا على هذا البلد، حيث بدأت بعض الدول العربية مؤخرا بذلك، ومنها السعودية والكويت، وتحديدا بعد التداعيات الاقتصادية التي سببها انتشار فيروس “كورونا”، والغزو الروسي لأوكرانيا على اقتصاديات العالم.

الصحفية الأردنية هديل الروابدة، تشرح لـ”الحل نت” حجم الضغوط الاقتصادية التي يعاني منها الأردن، موضحة أن “نسبة البطالة ارتفعت إلى نسبة غير مسبوقة عند 24 في المئة، بعد جائحة كورونا، والدولة تواجه نقصا في وظائف القطاع العام”.

والحال كذلك، تزداد الأعباء على القطاع الخاص، كما تؤكد الصحفية، مبينة أن “حصر 11 مهنة بالأردنيين، يأتي لتوجيه أصحاب القطاع الخاص نحو تشغيل العمالة المحلية، ولزيادة الفرص أمام تلك العمالة”، وتقول: “ما حصل هو قوننة للعمل وليس تضييقا على العمالة الوافدة”.

في رأيها، تفرض الأوضاع الاقتصادية الصعبة على دول المنطقة أن تتجه لقوننة سوق عملها، ومن الطبيعي أن يكون المواطن أولوية الحكومة، وهذا الواقع ينسحب على الأردن، وتستدرك بقولها: “لكن أنا مع منح العمالة الوافدة تصاريح عمل، ومع زيادة فرص العمل للأردنيين، وخاصة أن المزاج الشعبي الأردني يميل للوظيفة وليس للعمل الخاص”.

حسب تقرير نشره موقع “العربي الجديد” في مطلع نيسان/أبريل الجاري، بلغ معدل البطالة في الأردن خلال الربع الأخير من العام الماضي 2022 نحو 22.9 في المئة، بانخفاض بلغت نسبته 0.4 في المئة عن نفس الفترة من عام 2021، وتراجع محدود بلغ 0.2 في المئة عن الربع الثالث من العام الماضي.

جراء ذلك، تواجه الحكومة الأردنية اختبارا حقيقيا في تنفيذ وعود بتوفير فرص عمل كبيرة سنويا، حيث تستهدف الحكومة توفير 100 ألف فرصة عمل خلال العام الجاري، بموجب التزاماتها الواردة في رؤية التحديث الاقتصادي للسنوات العشر المقبلة، التي تقتضي توفير مليون فرصة عمل خلال هذه الفترة.

وزير الصناعة والتجارة والتموين الأردني، يوسف الشمالي، قال مؤخرا إن “العمالة الوافدة ستنتهي بحلول عام 2025 واستبدالها بالعمالة المحلية”، مبينا أن نسبة البطالة بين الشباب أصبحت 23 في المئة وعدد العاطلين 35 ألفا بين صفوف الشباب، وأكد أن هناك ما يقارب 400 ألف عامل وافد وهناك أعداد أخرى لم تسجل رسميا وهذا يسبب ضررا للعمالة الوافدة في الأردن.

التحديات الاقتصادية التي تواجه دول المنطقة، تدفع بالعديد من الحكومات التي تستقطب العمالة الوافدة إلى محاولة تنظيم سوق عملها عبر سن قوانين تضيّق بشكل أو بآخر على العمالة الوافدة، لإعطاء مواطنيها أولوية، والأردن الذي يعتمد اقتصاده بشكل كبير على المساعدات بشكل كبير، بات أمام تحد حقيقي في تنفيذ الرؤية الاقتصادية للعقد المقبل، التي تهدف لرفع معدلات النمو وتحسين معيشة المواطنين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات