في الوقت الذي تستمر فيه أعداد ضحايا الزلزال الذي ضرب كلا من تركيا وسوريا في التزايد، سلّطت الحادثة الضوء على شكل البناء العمراني في دول منطقة الشرق الأوسط، ما استوقف الكثيرين عند تقنيات البناء للمباني والمنشآت التي رأى البعض إنها باتت تستدعي إعادة النظر بطريقة إنشائها بما يتلاءم مع الهزات الأرضية المتكررة وذلك في محاولة لتجنب الكوارث مستقبليا.

إذ ومع تتضاءل آمال العثور على مزيد من الناجين تحت الأنقاض بعد 3 أيام من كارثة الزلزال، التي أودت بحياة أكثر من 17 ألفا شخص وخلّفت عشرات آلاف المصابين، وامتدت آثارها في المجمل إلى ملايين السكان في البلدين، أثار تحول آلاف البيوت والمباني في تركيا وسوريا إلى ركام من الأنقاض، إثر الكارثة القوية وما تبعها من هزات ارتدادية، السؤال حول إذا ما كانت طبيعة البناء العمراني سببا في تزايد أعداد الضحايا.

الحديث عن البناء العمراني ودوره في الكوارث، لفت الأنظار إليه قرار السلطات المصرية بتحديث ما يعرف بـ “كود البناء” في البلاد، وذلك لتفادي الخسائر الهائلة حال وقوع زلزال قوي، حيث قال رئيس “مركز الإسكان والبناء” في مصر خالد الذهبي، في تصريحات نقلها موقع “سكاي نيوز عربية”، إن أكواد البناء هي قواعد علمية يتم وضعها في أعمال إنشاء كافة العقارات والمنشآت، يجعلها تتحمل الأحمال والتغيرات الطبيعية المختلفة، ويراعى في ذلك أعمال التأسيس والمواد المستخدمة فيها.

ضرورات “كود البناء” في الشرق الأوسط

تفصيلا لأبرز ملامح هذا التحديث المصري، أشار الذهبي إلى مراعاة الخريطة الزلزالية على مستوى المحافظات المصرية، والأماكن التي تكون عُرضة لنشاط الزلازل، وتأثير مختلف العوامل الأخرى، وبالتالي تعميم هذا التحديث على الجهات الرسمية للالتزام به أثناء أعمال البناء والتشييد، لاسيما وأن خلال السنوات الأخيرة كثُرت الزلازل ومن المحتمل أن تستمر في الزيادة وهذا من الأساسات التي سيتم إدخالها على الكود الجديد، مبيّنا أن الأمر ليس له علاقة بحجم الخرسانات الأرضية، أو تحديد أدوار معينة فحسب، بل قوة تحمّل المبنى ذاته للهزات.

اقرأ/ي أيضا: السويد وتركيا وامتيازات عضوية “الناتو“.. ما وراء رفض أنقرة المصادقة على القرار؟

بشكل عام، من الوارد لكافة بلدان منطقة الشرق الأوسط مراجعة تقنيات وأكواد البناء فيها بعد الخسائر الهائلة التي تعرضت لها تركيا وسوريا وانهيار آلاف البنايات، كما يرى المسؤول المصري، خصوصا في ظل ما يرد من معلومات عن الدفاع المدني في سوريا وتركيا، حيث قال مسؤولو الدفاع المدني بسوريا إن مناطق كاملة هُدمت في توقيت متزامن جراء الزلزال، نتيجة ضعف الأبنية في تلك المناطق.

“الكود العمراني” هو عبارة عن مجموعة من القواعد واللوائح المنشورة لممارسات البناء والمواد والمنشآت المصممة لحماية صحة ورفاهية وسلامة المواطنين؛ أي أنه عادة ما يكون لقانون البناء الذي وضعته سلطة بلدية أو ولاية أو سلطة اتحادية أو سلطة القانون لوائح يجب على كل مهندس معماري الإلمام بها وبجميع الأكواد الهندسية العالمية.

مع ذلك، وإذا ما كانت طريقة البناء العمراني سببا في ازدياد أعداد الضحايا في سوريا وتركيا، وما يمكن أن يوفره تحول دول منطقة الشرق الأوسط إلى استخدام الأكواد في البناء العمراني على مستوى حماية الأرواح من كوارث مستقبلية، يقول المهندس المعماري علي الجبوري لموقع “الحل نت”، إن استخدام الأكواد الدولية يعني تأسيس لتوقّع طويل الأمد، يمكن أن يتنبأ بمستوى التحديات والظروف الطبيعية التي يمكن أن تصيب المدن والدول، بالتالي يوضع لها محاذير وحمايات احترازية مسبقة وبما يتماشى مع معايير البناء والإنشاء العمراني السكاني، التي يمكنها حماية الأرواح حتى لو بأدنى المستويات.

ضرورة التحول إلى معايير البناء العالمية

يجب أن يتم ذلك من خلال اعتماد لوائح البناء العالمية، والمخصصة ضمن الكود الدولي، بحسب الجبوري، مبينا أن هناك عدة أكواد وكلا منها يراعي جانبا معينا، لكن هناك معيارا عام يمكنه أن يراعي جميع الاحتمالات، وهو ما بات ضرورة في استخدامه بمنطقة الشرق الأوسط، مشيرا إلى أنه يمكن التحول في ذلك تدريجيا والاستفادة من التجارب الأوروبية والشرق آسيوية، خصوصا وأن الأخيرة حققت مستويات نجاح عالية في التكيف مع الكوارث الطبيعية.

المعماري وفي حديثه لـ “الحل نت”، أشار إلى أن هناك كوارث لا يمكن التصدي لها بأي شكل من الأشكال، كما حدث في تركيا وسوريا مؤخرا، بيد أن اعتماد أكواد البناء الخاصة في الزلازل في الإنشاء العمراني سيوفر فرصا للنجاة، مبيّنا أنه في حال إنشاء مبنى ضمن معايير ولوائح البناء المقاومة للصدمات والزلازل، فمن المحتمل أن يصمد قليلا قبل الانهيار، وهذا بحد ذاته يمكن أن يمثّل فرصة نجاة لمن فيه، حتى لو كان فردا واحدا، وعلى العكس من البناء العادي الذي غالبا سينهار مباشرة، وبالتالي فإن ضرورة التحول لاعتماد أكواد البناء خطوة في غاية الأهمية بالنسبة للمنطقة.

من أهداف أكواد البناء العمراني، هي وجود قوانين ومعايير ضمن مجموعة شاملة من اللوائح المترابطة المصممة للتحكم في عمليات البناء الجديدة والتجديدات وإعادة التشكيل والإصلاحات والهدم، كما أن قوانين البناء لها العديد من الأهداف، فالأساسي منها هو حماية الصحة العامة والسلامة والرفاهية من حيث صلتها بتشييد المباني وشغلها، يقول الجبوري، ويشير إلى أن ذلك يجب أن يكون ضمن التعريف العالمي، الذي يعني أن كود البناء هو رمز بناء نموذجي يعالج كلا من مخاوف الصحة والسلامة للمباني بناء على المتطلبات الإلزامية.

يُشار إلى أن هذا الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا هو الأشد منذ عقود، فيما تقع المنطقة المتأثرة بالكارثة في نقطة تُعرف بخط صدع الأناضول المعرّض بشكل كبير للهزات الأرضية، في حين  أوضحت “هيئة المسح الجيولوجي الأميركية”، أن البناء المُعتَمد في هذه المناطق لا يراعي المخاطر الكبرى التي قد تنجم عن الزلازل.

ظواهر طبيعية

استخدام الأكواد في مصر بدأ منذ عام 2003، ثم جرى تحديثها مجددا في العام 2012، ثم مراجعتها حاليا، ومن المتوقع أن تصدر في صورتها الأخيرة بنهاية العام الجاري، بمشاركة عدد من المتخصصين والعلماء المصريين محليا ودوليا، وذلك في الوقت الذي يرى فيه متخصصون في علوم الأرض والجيولوجيا أنه من العِبر والدروس التي يجب الاستفادة منها بعد هذا الزلزال الكبير والمدمر، إعادة النظر في قواعد البناء في المناطق النشطة زلزاليا لتخفيف حدّة الخسائر.

الزلازل تُعد ظاهرة طبيعية تحدث عندما تتحرك الصفائح التكتونية للأرض، وتطلق الطاقة المخزنة، وتسبب موجات زلزالية يمكن أن تسبب الدمار عبر مناطق شاسعة. تركيا، بموقعها الجغرافي الفريد الذي يمتد على طول خط صدع شمال الأناضول وحزام طيات جبال الألب وجبال الهيمالايا، معرضة بشكل خاص للزلازل بسبب هذه التحولات.

تقارير أكدت، أن الزلزال العنيف الذي ضرب جنوب تركيا وسوريا المجاورة، كان مدمرا بسبب مجموعة من العوامل تتمثل في توقيته وموقعه وخط الصدع الهادئ نسبيا منذ قرنين ومبان مشيدة بشكل سيئ. الأمر الذي يعني أنه من الضرورة الاحتكام في البناء المعماري إلى الأكواد الدولية، والابتعاد عن البناء التقليدي، لاسيما في المناطق التي تقع على خط الزلازل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.