مؤخرا أصبحت العلاقات الروسية التركية، سببا آخرا في سجل أسباب توتر علاقات أنقرة مع الغرب، فرغم العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، تواصل أنقرة فتح قنوات التبادل التجاري مع موسكو.

كذلك فإن أنقرة عملت خلال الأيام القليلة الماضية، على إعاقة ناقلات النفط من المرور باتجاه البحر الأبيض المتوسط، ما اعتبره مسؤولون أوروبيون، حجر عثرة أمام الخطوة الدولية الخاصة بحرمان روسيا من عائدات النفط في زمن الحرب.

عرقلة مرور النواقل

الحكومة التركية استخدمت حجّة فحص التأمين، لعرقلة مرور نواقل النفط، حيث رفضت إلغاء فحص التأمين، الذي طبقته في بداية الشهر على الرغم من تعرضها على مدى أيام لضغوط من مسؤولين غربيين.

وكالة الشحن “تريبيكا” قالت بحسب ما نقلت وكالة “رويترز“، إن عدد ناقلات النفط التي تنتظر في البحر الأسود لعبور مضيقي البوسفور والدردنيل ارتفع إلى 28 ناقلة.

من جانبها أكدت هيئة الملاحة البحرية التركية إنها ستواصل منع ناقلات النفط التي لا تحمل خطابات التأمين المناسبة من دخول مياهها، وذلك في وقت أشارت فيه شركات التأمين الغربية، إلى أنها لا يمكنها تقديم الوثائق التي تطلبها تركيا لأنها قد تتعرض لعقوبات إذا تبين أن شحنات النفط التي تغطيها بيعت بأسعار تتجاوز السقف السعري.

الاستياء الغربي كان واضحا في تصريحات أوروبية موجهة إلى أنقرة، بأن أنقرة لا تلتزم بمعايير العقوبات المفروضة على موسكو وأن التعاون الاقتصادي بين أنقرة وموسكو يزداد، وهذا أمر مقلق بالنسبة للأوروبيين.

الباحث السياسي صدام الجاسر، رأى أن أنقرة تسعى للاستفادة من العقوبات الاقتصادية الغربية لتعزيز علاقاتها مع روسيا، مشيرا إلى الدور الواضح لروسيا في القرار التركي الخاص بعرقلة مرور نواقل النفط، لما فيه فوائد لموسكو.

الجاسر قال في حديث خاص مع “الحل نت“، “حاليا أنقرة تغتنم الفرص ولا تلتزم بالعقوبات الغربية على موسكو، وذلك لتعزيز علاقتها مع الروس، تركيا حاليا تستطيع زيادة مرور السفن، لكنها تستخدم الضمانات الأمنية كوسيلة قانونية لتأخير مرور النواقل“.

تفاقم أزمة الطاقة

استمرار تعطيل تركيا لمرور نواقل النفط، سيُزيد من أزمة الطاقة في أوروبا، فالنقص الذي تعاني منه القارة الأوروبية من الغاز، إذا رافقه نقص كذلك في الوقت، فهذا يعني أزمة إضافية خلال فصل الشتاء، لا سيما مع تزامن الأزمة مع قرار “أوبك بلس” بتخفيض إنتاج النفط.

برأي الجاسر، فإن هناك دور واضح لروسيا في التصرفات التركية، مشيرا إلى أن موسكو قدمت بالتأكيد مقابل هذا القرار أشياء اقتصادية وسياسية لدفع تركيا لاتخذا هذه الإجراءات، وتعطيل أو تأخير مرور قوافل النفط.

الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع كانوا قد اتفقوا على منع مقدمي خدمات الشحن، مثل شركات التأمين، من المساعدة في تصدير النفط الروسي ما لم يتم بيعه وفقا لسقف سعري حددوه للخام الروسي، بهدف حرمان موسكو من إيرادات النفط في وقت الحرب.

وزارة الخارجية الأميركية علّقت بدورها على منع تركيا لنواقل النفط من المرور، وقالت الخميس إنها لا ترى مبررا لتطبيق الإجراءات التركية الجديدة على تلك الشحنات.

أما المفوضية الأوروبية، فأوضحت يوم الجمعة الفائت، أن التأخيرات غير مرتبطة بالسقف السعري، وإن تركيا يمكنها مواصلة التحقق من وثائق التأمين “كما كان يتم في السابق بالضبط“.

متحدث عن المفوضية ذكر لـ “رويترز”، “لذلك نجري اتصالات مع السلطات التركية للحصول على توضيحات ونعمل على حل الوضع“.

قبل أيام اتفقت حكومات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، على حد أقصى لأسعار النفط الروسي المنقول بحرا قدره 60 دولارا للبرميل، مع آلية تعديل لإبقاء سقف السعر أقل بخمسة بالمئة من سعر السوق.

الأهداف من تحديد سقف السعر

فرض الحد الأقصى لأسعار النفط الروسي، يأتي ضمن محاولة الغرب للضغط على عائدات “الكرملين” النفطية مع الحفاظ على الإمدادات العالمية ثابتة وتجنب زيادة الأسعار، وصُمم هذا الحد على أنه طريقة للسماح لروسيا، أكبر مصدر للنفط العالمي، بتزويد الأسواق، من دون أن تحصل موسكو على الفائدة الكاملة من بيعها النفط.

قد يهمك: “استراتيجيات طويلة الأجل“.. لماذا تسعى بريطانيا لتعزيز علاقاتها في إفريقيا؟

الخبير في الشأن الروسي، سامر إلياس، رأى خلال حديث سابق لـ“الحل نت“، أن الأهداف الرئيسية من الخطة الأوروبية، هي أهداف اقتصادية من أجل التأثير على الاقتصاد الروسي، وإضعاف قدرة روسيا على الاستمرار في حربها على أوكرانيا أو تمويل الحرب، وأيضا توجيه ضربة مؤلمة للاقتصاد الروسي نظرا لأن النفط هو المكون الأساسي الذي يدعم الخزينة الروسية بأكثر 50 بالمئة من وارداتها.

في الأسابيع الأخيرة هناك تراجع بأسعار النفط بشكل كبير وهذا يضر بمدخولات روسيا، أيضا الجانب الآخر المهم في هذا الموضوع، هو الحد من مبيعات النفط الروسي إلى الاتحاد الأوروبي، لكن حتى الآن يجب الإشارة إلى وجود خلافات كبيرة بين عدد من الدول التي تريد وضع سقف لسعر البرميل بـ 30 دولارا مثل بولندا ودول البلطيق، ودول أخرى تريد تحديد سقف سعر البرميل بـ 60 دولارا أي بأقل من السعر العالمي بـ 5 دولارات.

آثار تحديد سقف السعر

من شأن تحديد سقف سعر النفط عند هذا المستوى أن يضع أسعار الخام الروسي أقل بكثير من المعيار الدولي المسمى “برنت“، والذي تم تداوله عند نحو 87 دولارا للبرميل الخميس الفائت، وأشار المسؤولون في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، الذين قادوا دفع الحد الأقصى للسعر، إلى أنهم يؤيدون تحديد الحد الأقصى عند 60 دولارا للبرميل.

بحسب سامر إلياس، فإن هذا التحديد له آثار اقتصادية كبيرة تبدأ من تراجع واردات الخزينة الروسية، وعجز في الموازنة الروسية للسنوات الثلاث القادمة، وقد يصل هذا العجز إلى 5 أو 6 بالمئة، وسيؤدي إلى تراجع إنتاج النفط بشكل كبير، أضافة إلى تأثير سلبي على الأسعار بالنسبة للنفط الروسي وللأسواق العالمية.

هذا الوضع مرتبط أيضا بالقرار الأساسي الذي سوف تتخذه منظمة “أوبك بلس” في اجتماعها الشهري القادم أي هذا الشهر، وتحديدا في موعد تحديد سقف سعر النفط الروسي، وإذا واصلت “أوبك بلس” ذات السياسة أي بالخفض، فالأمر يسير باتجاه معين يتعلق بأن هناك نقصا بالنفط المعروض في السوق العالمية نظرا لأن روسيا لوّحت لأكثر من مرة على لسان مسؤوليها ومن بينهم الناطق باسم “الكرملين“، أنها لن تصدّر النفط إلى البلدان التي ستقوم بتحديد سقف سعر النفط الروسي.

هذا الأمر سيؤدي بحسب إلياس، إلى النقص في الأسواق العالمية بكمية تتراوح ما بين 1,5 – 2 مليون برميل نفط كحد أدنى، ولكن السؤال هنا، هل هناك تفاهمات مع السعودية والإمارات بوصفهما المنتجين الأساسيين في “أوبك بلس” لتعويض النفط الروسي، حيث لا توجد مؤشرات تدل أن هناك اتفاقا بين أميركا وهاتين الدولتين حول ذلك.

ما هو رد الفعل الروسي وانعكاساته؟

27 دولة في الاتحاد الأوروبي، وافقت في حزيران/يونيو الماضي على حظر شراء النفط الخام الروسي اعتبارا من 5 كانون الأول/ديسمبر الحالي، ومن الناحية العملية، يريد الاتحاد الأوروبي، إلى جانب الولايات المتحدة واليابان وكندا والمملكة المتحدة، خفض عائدات النفط الروسية بشكل كبير في محاولة لاستنزاف صندوق حرب “الكرملين” بعد غزو أوكرانيا.

لذلك، فإن المخاوف من أن الحظر الكامل قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط الخام، دفعت مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى إلى التفكير في وضع حد أقصى للمبلغ الذي ستدفعه مقابل النفط الروسي.

استمرار التصرفات التركية التي من شأنها الوقوف بوجه العقوبات الغربية ضد موسكو، يبدو أن نتائجها ستظهر خلال الفترة المقبلة، على شكل تأزيم العلاقات أكثر من تركيا ودول الاتحاد الأوروبي، لا سيما مع إصرار أنقرة تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع موسكو.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.