ليلة أمس الأربعاء كانت الليلة التي لم ينم فيها عناصر مجموعة “فاغنر” الروسية والمصنّفة دوليا “إجرامية”، سواء الذين داخل روسيا أو في الدول التي زرعهم “الكرملين” فيها، وذلك بعد توارد الأنباء عن إسقاط طائرة للمجموعة على متنها قادة الصف الأول لـ”فاغنر” التي تمرّدت في حزيران/يونيو على الرئيس الروسي، ووصلت على أعتاب العاصمة موسكو في غضون ساعات.

في عالم مليء بالتوترات والتحديات الأمنية، تظهر بعض الأحداث بوضوح على الساحة الدولية، مترتبة على تداعياتها آثارا قوية تشعل مناقشات السياسيين والمحللين على حد سواء. ومن بين هذه الأحداث الأكثر تأثيرا وإثارة للجدل، يأتي مقتل زعيم مجموعة “فاغنر” العسكرية الخاصة، يفغيني بريغوجين، وقائدها ديميتري أوتكين، في حادث تحطم الطائرة الخاصة التي كانت تقلّهما شمالي موسكو.

هذا الموضوع، الذي لا يختص فقط بجوانب الأمان والدفاع، بل يتعداها إلى مجالات التوازن الإقليمي والتأثير على تطورات الأوضاع في سوريا، ويعكس تداعياته على مستويات متعددة خصوصا أنه في عالم تنظيمات الإرهاب والجماعات المتطرفة، كانت “فاغنر” تمثل كيانا يثير الجدل منذ فترة طويلة. 

إذا كان لهذه المجموعة دور محوري في تصاعد الأوضاع على الأرض في مناطق متعددة، فإن مقتل زعيمها يترك العديد من الأسئلة المفتوحة حول ما هو قادم. إذ إن انعكاسات هذه الحادثة لن تقتصر فقط على القوى الروسية ومحيطها الإقليمي، بل قد تمتد لتلامس مصالح الدول الكبرى والجهات الدولية المعنية بمكافحة الإرهاب؛ لكن فيما يخص سوريا، ما هي السيناريوهات المحتملة التي يمكن أن تظهر على الساحة السورية بعد مقتل زعيم “فاغنر”.

“فاغنر” بلا قيادة

سيناريو مقتل بريغوجين كان أقرب للتّوقع، خاصة بعد التقارير العسكرية الأخيرة التي تفيد بإقدام القيادة الروسية على نعي جنرالات مرموقين من الجيش ماتوا في ظروف غامضة، ما يدل على تلميحات بوجود مخططات لانقلاب يخدم موقف بوتين إزاء تلك التحولات والتداعيات المحتملة، لا سيما بعد أن أصبحت إفريقيا ومواردها الطبيعية الأهداف الرئيسية لـ”فاغنر”.

وسائل إعلام روسية رسمية، منها قناة “روسيا 24” وموقع “ريدوفكا” العسكري، أكدت منذ خبر سقوط الطائرة أمس الأربعاء، مقتل يفغيني بريغوجين زعيم مجموعة “فاغنر” العسكرية الخاصة، وقائدها ديميتري أوتكين، المعروف أيضا باسم العميل “09”، والعميل “201”، في حادث تحطم الطائرة الخاصة بمنطقة تفير شمال العاصمة الروسية موسكو في رحلة داخلية، بين موسكو وسان بطرسبورغ.

آخر ما صرحت به وسائل الإعلام الرسمية لمجموعة “فاغنر” بعد ظهور زعيمها في مقطع فيديو يعتقد أن تصويره كان بدولة إفريقية، أن بريغوجين عشية “مسيرة العدالة”، أرسل رسالة لقيادة الجيش الروسي مفادها “أننا قد نخسر شبه جزيرة القرم إذا لم يتم حل المشاكل التي نشأت خلال العملية الخاصة”، وهو ما اعتبرته “فاغنر” السبب وراء اغتيال قائدها.

من المؤكد أن مقتل زعيم “فاغنر” سيفتح الباب أمام سيناريوهات متعددة، لكن تأثيره على مستقبل “صائدو الدواعش” السورية، هو الموضوع المتداول محليا، إذ إن هذا الحدث له تداعيات كبيرة على الأوضاع الأمنية والسياسية في سوريا والمنطقة، ويطرح تساؤلات عن دور روسيا ومصالحها.

السيناريوهات المحتملة أمام “صائدو الدواعش” السورية، بعد فقدان زعيمهم وقائدهم، والذي كان يموّلهم ويدرّبهم ويزوّدهم بالسلاح والذخيرة، لم تخرج عن خيارين أولها السماح لهؤلاء المقاتلين الانضمام إلى القوات الروسية، أو البحث عن مجموعات أخرى تحتضنهم، أو الانسحاب من المشهد بشكل كامل.

“صائدو الدواعش” أمام “الكرملين”

لا توجد إحصاءات دقيقة عن عدد مقاتلي “صائدو الدواعش” في سوريا، لكن بحسب بعض المصادر الإعلامية، فإن هذه المجموعة تضم ما بين 2500 و5000 مقاتل سوري، يتعاونون مع مجموعة “فاغنر” العسكرية الخاصة الروسية، ويشاركون في عملياتها داخل البلاد وخارجها.

هذه المجموعة تأسست في عام 2017، وتتلقى تمويلا وتدريبا وتسليحا من قبل العناصر الروس المنتمين لـ”فاغنر”. كما تشير بعض التقارير إلى أن “صائدو الدواعش” يتّبعون أوامر مباشرة من يفغيني بريغوجين زعيم مجموعة “فاغنر”، الذي قُتل مؤخرا في حادث تحطم طائرة شمالي موسكو.

بحسب المعلومات التي حصل عليه “الحل نت” من داخل المجموعة، فإن هناك تخبط وجدل ضمن أروقة المجموعة التي تتخذ من معسكر “الصايد” بريف حمص مركزا لها، إذ بعد مقتل بريغوجين بدأت تُطرح التساؤلات حول مستقبل المجموعة، وإمكانية حدوث صراع بينهم وبين القوات الروسية، التي تطالبهم بالانضمام إليها.

ليس ذلك فحسب، بل إن هذا السيناريو المطروح ليس نتيجة مقتل بريغوجين فقطـ؛ بل أيضا بسبب توقّف الدعم المالي لعناصر المجموعة منذ شهر حزيران/يونيو، إذ لم تتلقَ القوات المتعاونة مع “فاغنر” في معسكر “الصايد” أية رواتب، لاسيما بعد إصدار القوات الروسية أوامر لجميع المتعاونين مع “فاغنر” بالتوقيع معها.

أحد الخيارات التي ناقشتها المجموعة أمس الأربعاء بعد تأكيد خبر مقتل بريغوجين، احتمال الصراع بين قوات “فاغنر” و”صائدو الدواعش” من طرف والقوات الروسية من طرف آخر، أيضا احتمالية قبول نقل عناصر المجموعة السورية إلى معسكرات “فاغنر” في أوروبا أو إفريقيا.

تحالف مع إيران أو تركيا!

وفقا لما يتوقعه الخبير العسكري، العقيد عبد الله حلاوة، فقد تفقُد القوات المتعاونة مع “فاغنر” الدعم المالي واللوجستي والسياسي من قبل روسيا، خاصة إذا كان بريغوجين هو المسؤول الرئيسي عن تمويلهم وإدارتهم. وهذا قد يؤدي إلى تدهور ظروفهم المعيشية والقتالية، وإلى انخفاض في معنوياتهم وولائهم.

كما بحسب حديث حلاوة لـ”الحل نت”، قد تزداد الضغوط على القوات المتعاونة مع “فاغنر” من قبل القوات الروسية، التي تطالبهم بالانضمام إليها أو التخلي عن مواقعهم وأصولهم في سوريا. وهذا قد يؤدي إلى حدوث صراع أو تفكك بين الطرفين، أو إلى خضوع القوات المتعاونة لسلطة روسيا.

فضلا عن ذلك، قد تبحث القوات المتعاونة مع “فاغنر” عن حلول بديلة لضمان استمرارية نشاطهم وحماية مصالحهم في سوريا. هذا قد يشمل التحالف مع جهات أخرى، مثل الحكومة السورية أو إيران أو من المحتمل تركيا، أو الانسحاب من سوريا والانتقال إلى مناطق أخرى، مثل أوروبا أو إفريقيا.

من الناحية العسكرية يعتقد حلاوة أنه لا يمكن التنبؤ بالسيناريوهات المحتملة بدقة، لكن يمكن تصوّر بعض الاحتمالات بناءً على التطورات السابقة والحالية في سوريا. فالأول حدوث صراع بين القوات المتعاونة مع “فاغنر” والقوات الروسية، إذا رفضت الأولى الانصياع للثانية أو حاولت الثانية السيطرة على مواقع وأصول الأولى. وهذا قد يؤدي إلى تصعيد التوترات والعنف في سوريا، وإلى تقويض الدور الروسي في البلاد.

أما الاحتمال الثاني وهو المرجح لدى حلاوة، من خلال حدوث تحالف بين القوات المتعاونة مع “فاغنر” والحكومة السورية أو إيران، إذا وجدت الأولى دعما وحماية من الثانية أو الثالثة. وهذا قد يؤدي إلى تعزيز قدرات ونفوذ الحلفاء في سوريا، وإلى تحدي الرؤية الروسية للحل السياسي في البلاد.

أما احتمالية حدوث تحالف بين “صائدو الدواعش” وتركيا، إذا سعت الأولى إلى تأمين مصالحها في شمال سوريا، أو إذا عرضت الثانية على الأولى مزايا مالية أو سياسية. وهذا قد يؤدي إلى تغيير التوازنات والتحالفات في سوريا، وإلى انعدام فرص الحوار أو التفاوض بين الأطراف المتصارعة.

“فاغنر” وحميميم كلمة السر

التحالفات والصراعات المحتملة التي قد تنشأ بين القوات المتعاونة مع “فاغنر” و”صائدو الدواعش” تعتمد على عدة عوامل، منها موقف الحكومة الروسية من مستقبل “فاغنر”، ومصير بريغوجين وأتباعه، ورغبة القوات الروسية في البقاء أو الانسحاب من سوريا. 

طبقا لتحليل الخبير العسكري، فإنه إذا قررت روسيا حل “فاغنر” وإخضاع جميع مقاتليها للجيش الروسي، فقد يؤدي ذلك إلى صراع بين القوات المتعاونة مع “فاغنر” و”صائدو الدواعش”، خاصة إذا رفضت القوات السورية هذه الخطوة وأصرّوا على استقلاليتهم وحماية مصالحهم. 

في هذه الحالة، قد يحاول الطرفان الحفاظ على نفوذهم في المناطق التي يسيطرون عليها، والتنافس على الموارد والأسلحة والدعم المحلي. كما قد يستغل الطرفان أي فرصة لإضعاف أو إزالة خصمهم، سواء بالتعاون مع قوى أخرى مثل الجيش السوري أو الميليشيات المحلية أو التنظيمات المسلحة، أو بالقيام بعمليات تخريبية أو اغتيالات أو هجمات مباغتة.

أما إذا قررت روسيا الإبقاء على “فاغنر” كجزء من استراتيجيتها في سوريا وإفريقيا، فقد يؤدي ذلك إلى تحالف بين القوات المتعاونة مع “فاغنر” و”صائدو الدواعش”، خاصة إذا تم تغليب المصلحة المشتركة على الخلافات الداخلية. وفي هذه الحالة، قد يحاول الطرفان تعزيز علاقتهم وتنسيق جهودهم لتحقيق أهداف روسيا في سوريا وإفريقيا.

وفي حالة إذا كان مصير “فاغنر” غير واضح أو متغير باستمرار، فقد يؤدي ذلك إلى حالة من الالتباس والغموض بين القوات المتعاونة مع “فاغنر” و”صائدو الدواعش”، خاصة إذا كانت هناك تناقضات أو تضاربات بين توجيهات القيادة الروسية والمصالح الشخصية لخليفة بريغوجين وأتباعه. وفي هذه الحالة، قد يحاول الطرفان الحفاظ على موقف متزن ومرن، وعدم الانخراط في أي صراع أو تحالف دون ضمانات واضحة وملموسة. كما قد يبحث الطرفان عن بدائل أو خيارات أخرى لضمان بقائهم وتأمين مستقبلهم في سوريا وإفريقيا.

بناءً على هذه السيناريوهات، يرى حلاوة أنه إذا نشب صراع بين القوات المتعاونة مع “فاغنر” و”صائدو الدواعش”، فقد يؤدي ذلك إلى ضعف دور روسيا في سوريا وإفريقيا، وإلى تفكك أو تشتت جهودها، كما قد يؤدي ذلك إلى خلق فرص للقوى المعارضة لروسيا، مثل تركيا، وإلى تغير أو تبديل استراتيجية أو سياسة “الكرملين”.

هذا الوضع قد يؤدي إلى تعقيد جهود التسوية السياسية في سوريا، يمكن لهذا التطور أن يؤثر على العملية السياسية والأمنية في البلاد. فإذا تشكل تحالف بين القوات المتعاونة مع “فاغنر” والقوات الروسية، فقد يؤدي ذلك إلى تعزيز دور روسيا كمعرقل سياسي في سوريا، وإلى توحيد جهودها في دعم حلفائها وتطبيق مصالحها فقط في البلاد. كما قد يؤدي ذلك إلى خلق صعوبات للقوى المعارضة لروسيا، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، للتدخل أو التأثير على مجرى الأحداث في سوريا.

من المؤكد أن وفاة زعيم “فاغنر” ستفتح الباب أمام سيناريوهات متعددة، لكن الخاسر الوحيد في هذه المعادلة هم مجموعة الشبّان الذين انضموا لمنظمة مصنّفة إجرامية وتسعى لتحقيق مصالحها الشخصية، في حين أنها كانت تستخدمهم كوقود لحرق معارضيها، ومن المؤكد أن الأحداث الحالية تلوح نحو تشتيت الجماعة وتراجع نفوذها، أو انفجار صراعات جديدة داخل الجماعة ومع القوى الروسية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
5 2 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات