في إعلان مثل أول رد فعل عملي أميركي بشأن الحرب الدائرة في السودان بين الجيش السوداني، وقوات “الدعم السريع” شبه العسكرية، التي اندلعت منذ أبريل/نيسان الماضي، قررت وزارة الخزانة الأميركية، فرض عقوبات على مسؤولين رفيع المستوى في “الدعم السريع”، الأمر الذي طرح العديد من التساؤلات، بخاصة وأن العقوبات لم تشمل الطرف الثاني من الصراع، وإذا ما كانت تمثل بدء مرحلة جديدة من الصراع، ليشمل الساحة الدولية بشكل رسمي.

العقوبات، قالت عنها واشنطن، إنها جاءت نتيجة الانتهاكات التي ارتكبتها قوات “الدعم السريع” التي يقودها الفريق أول محمد حمدان دقلو الملقب بـ “حميدتي”، في إقليم دارفور، بينها أعمال عنف واعتداءات جسيمة، وتستهدف العقوبات بحسب بيان أصدرته الخزانة الأميركية أمس الأربعاء، عبد الرحيم حمدان دقلو، شقيق ونائب قائد قوات “الدعم السريع”، وكذلك شملت قائد قوات “الدعم السريع” في غرب دارفور عبدالرحمن جمعة.

وفقا للبيان الأميركي، فأن القائدان في “الدعم السريع” متورطان في الفظائع التي ترتكبها قواتهم في غرب إقليم دارفور، وفي حين تنفي قوات “الدعم السريع” الاتهامات التي توجهها لها جماعات تراقب مجريات الصراع وجماعات معنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، وروايات شهود بأنها تقف وراء هذا العنف، وتقول إن أي جندي تخلص إلى تورطه فيها سيقدم للعدالة؛ فإن عبد الرحيم دقلو هو أول مسؤول من أي من طرفي الصراع يواجه عقوبات منذ بدء الحرب، خصوصا وأن العقوبات السابقة خصت شركات، وشملت طرفي الصراع.

مضامين العقوبات على قوات “الدعم السريع”

بموجب العقوبات، ستجمد واشنطن أي أصول في الولايات المتحدة يملكها شقيق قائد قوات “الدعم السريع” التي تؤكد تقارير تلقيها الدعم من روسيا، مع منع المواطنين الأميركيين من التعامل معه، فيما تم وضع قيود على منح تأشيرة لعبد الرحمن جمعة قائد “الدعم السريع” غرب دارفور، أيضا لارتكابه انتهاكات لحقوق الإنسان.

وزارة الخرانة الأميركية تفرض عقوبات على قوات “الدعم السريع” السودانية/ إنترنت + وكالات

ذلك كله يأتي، في إطار إعلان وزارة الخارجية الأميركية، عزمها على محاسبة المسؤولين عن ارتكاب فظائع في الصراع الدائر في السودان، حسبما تحدث به وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، وقال إن، واشنطن ستستخدم كل ما لديها من وسائل لإجبار قوات “الدعم السريع” والجيش السوداني على وضع حد للحرب وعدم إطالة أمدها.

إلا أن العلامة الفارقة في هذا التحرك الأميركي، يتمثل بفرض عقوبات على طرف واحد من أطراف الصراع، في وقت أعلن فيه قائد الجيش السوداني، رئيس “مجلس السيادة” الفريق أول عبدالفتاح البرهان، حل قوات “الدعم السريع”، بعد 6 أعوام من تصنيفها بموجب قانون خاص، كقوة رسمية.

البرهان، كان قد أصدرت أمس الأربعاء، مرسوما دستوريا قضى بإلغاء قانون قوات الدعم السريع -التي قدرت قواتها بداية الحرب بنحو 100 ألف فرد لهم قواعد وينتشرون في أنحاء البلاد- لسنة 2017، وتعديلاته لسنة 2019، وذلك بالتزامن مع حراك إقليمي يجريه ويتوقع أن ينتج عنه دعم حكومة انتقالية بقيادته، الأمر الذي بدى كما لو أنه بداية فعلية لتحجيم “الدعم السريع”.

تعليقا على ذلك، قال المختص بالشأن السوداني، حسن بشارى، إن هذه العقوبات بحق قوات “الدعم السريع” ليست الأولى من نوعها، فقد سبق أن فرضت الولايات المتحدة، في أيار/مايو الماضي، عقوبات على طرفي القتال شملت 4 شركات تتبع للجيش السوداني وقوات “الدعم السريع”، بجانب فرض قيود على التأشيرات على شخصيات تشمل مسؤولين من الجيش السوداني و”الدعم السريع” وقادة من نظام الرئيس المخلوع عمر البشير.

تلك العقوبات أيضا كانت، بحسب بشارى الذي تحدث لموقع “الحل نت”، ردا على انتهاكات طرفي الصراع للالتزامات التي تعهدا بها في ‎جدة، بوقف إطلاق النار وإعاقة توصيل المساعدات الإنسانية، وهي إجراءات كما قالت واشنطن “تهدف إلى محاسبة المسؤولين عن تقويض السلام والأمن والاستقرار في السودان”.

دلالة العقوبات

بالتالي نظرا إلى هذه الخلفية، يرى الخبير في الشأن السوداني، إن العقوبات الجديدة، تمثل محاولة لتشديد الضغط على “الدعم السريع”، ومع ذلك فان تخصيص العقوبات لـ “لدعم السريع” وحده هذه المرة، يحمل العديد من الرسائل أهمها؛ إنه لا يمكن السماح بتمرير الانتهاكات الواسعة التي ارتكبتها هذه القوات دون محاسبة، خصوصا تلك التي تواترت الأدلة عليها، سواء تورطها في اغتيال والي غرب دارفور، أو الانتهاكات الجنسية، أو المتعلقة بأعمال النهب.

عبدالرحيم حمدان دقلو شقيق قائد قوات “الدعم السريع”/ إنترنت + وكالات

بالإضافة إلى ذلك، فإن الهدف الثاني، يتمثل باستهداف نائب قائد “الدعم السريع” عبد الرحيم دقلو، والذي حمل رسالة لشقيقه قائد “الدعم السريع” محمد حمدان دقلو “حميدتي”، للضغط عليه للتحرك باتجاه الانخراط بجدية في مفاوضات وقف إطلاق النار.

بشارى لفت أيضا، إلى أن الرسالة هذه العقوبات قد تتجاوز قوات “الدعم السريع” نفسها، كونها تحمل كذلك رسالة تحذير غير مباشرة إلى داعميها الإقليميين والدوليين، مبينا أن تأثير هذه العقوبات سيكون محدود فيما يتعلق بالوضع الميداني وسير العمليات على الأرض، لكن ربما يكون تأثيرها أكثر وقعا على الصعيد السياسي، وربما تعجل بتحرك الطرفين باتجاه تسريع الاتفاق على وقف إطلاق النار والتوجه نحو إنهاء الحرب.

هذا وتعمل قوات “الدعم السريع” منذ وقت طويل على تعزيز علاقاتها الخارجية بروسيا، وخلافا لقوات الجيش السوداني؛ يختلف هيكل قوات “الدعم السريع” عن الجيش، إذ يعتمد بشكل كبير على الشخصنة ويتمحور حول حميدتي وأقاربه ورفاقه المقربين.

بداية ظهور “الدعم السريع” كانت عام 2013، وهي مليشيات شبه عسكرية مكونة من قوى “الجنجويد”، كانت تقاتل نيابة عن الحكومة السودانية في عهد الرئيس الأسبق، عمر البشير، خلال الحرب في إقليم دارفور، وتتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في تلك الفترة، ناهيك عن استخدامها في قمع المعارضين واضطهادهم، و”الجنجويد” هي ميليشيا عربية استخدمها البشير في القتال بدارفور في العقد الأول من الألفية لمساعدة الجيش في إخماد تمرد على سلطته. 

بيد أن الصراع الذي اندلع حينها وشاركت فيه قوات “الدعم السريع” تحت مسمى “الجنجويد”، شرد حينها ما يربو على مليوني شخص وأدى لمقتل 300 ألفا في الفترة بين عامي 2003 و2008، واتهم مدعو المحكمة الجنائية الدولية مسؤولين حكوميين وقادة في ميليشيا “الجنجويد” بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور.

بُعيد ذلك، بنت قوات “الدعم السريع” إرثها، وبمرور الوقت نمت واستخدمت كحرس حدود على وجه الخصوص لتضييق الخناق على الهجرة غير النظامية، وبالتوازي مع ذلك، توسعت المصالح التجارية لـ “حميدتي” بمساعدة البشير، حيث استحوذت عائلته على أنشطة كبيرة في مجالات تعدين الذهب وتربية الماشية والبنية التحتية، هو ما أكده تحقيق نشرته “رويترز” عام 2019، بأن شقيق قائد قوات “الدعم السريع”، الذي خضع للعقوبات مؤخرا، عبد الرحيم دقلو، كان مدرجا كمالك لـ “شركة الجنيد للذهب” التي طالتها عقوبات سابقة.

في سياق تنامي “الدعم السريع” بالسودان

في 2015، توسع تأثير قوات “الدعم السريع” أكثر، على خلفية تعاونها في إرسال مقاتلين إلى جانب بعض من الجيش السوداني، للمشاركة في القتال باليمن، إلى جانب السعودية والإمارات، الأمر الذي سمح لـ “حميدتي” بإقامة علاقات إقليمية ودولية، وذلك قبل أن يقر في عام 2017 قانونا يمنح “الدعم السريع” صفة قوة أمنية مستقلة.

محمد حمدان دقلو “حميدتي” قائد قوات “الدعم السريع”/ إنترنت + وكالات

في أبريل من عام 2019، شاركت قوات الدعم السريع في الانقلاب العسكري الذي أطاح بالبشير، وفي وقت لاحق من ذلك العام، وقع “حميدتي” اتفاقا لتقاسم السلطة منحه منصب نائب رئيس “مجلس السيادة الانتقالي” الحاكم الذي يرأسه قائد الجيش، البرهان، قبل أن يقيله البرهان بعد اندلاع الحرب بينمها.

بعد ذلك، جاءت حكومة مدنية انتقالية في السودان، غير أن الجيش السوداني، إلى جانب دعم قوات “الدعم السريع” نفذوا انقلابا عليها، وقاموا باحتجاز رئيس الحكومة، ما عطل العملية الانتقالية نحو إجراء انتخابات، قبل أن يعود قائد القوتين لإطلاق سراح قادة فاعلون في الحكومة المدنية التي تم عزلها، تمهيدا لتنفيذ اتفاق لاقى دعما دوليا لإجراء انتخابات في ظل حكومة مدنية ويضمن نقل السلطة لحكومة مدنية.

تلك الأحداث تخللتها احتجاجات من قبل الشارع السوداني المطالب بحكومة مدنية، وأيضا شاركت قوات “الدعم السريع” في قمع الاحتجاجات وقتل عشرات المحتجين المطالبين بالديمقراطية، لكن وبعد إطلاق سراح قادة الحكومة المدنية المعزولة، والتوصل لاتفاق مع القوى السياسية المدنية، طالب قائد الجيش السوداني، إلى جانب القوى المدنية، بدمج “الدعم السريع” مع الجيش، غير أن “حميدتي” رفض ذلك.

رفض قائد قوات “الدعم السريع؛ دمج قوات مع الجيش النظام، أثار التوتر بشأن الخطة الانتقالية وعطلها بعد أن كان السودان يقترب من الخروج من الأزمة، مما أشعل فتيل اشتباكات عنيفة في الخرطوم في منتصف نيسان/أبريل من عام 2023.

منذ اندلاع الحرب، يتهم السكان وجماعات حقوق الإنسان ومراقبو الصراع قوات “الدعم السريع” والميليشيات المتحالفة معها بارتكاب هجمات ذات دوافع عرقية في دارفور، كما اتهموا قوات “الدعم السريع” بنشر العنف الجنسي والقيام بعمليات نهب جماعية في الخرطوم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات